Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. علي آل شرمة

التسول.. يعكّر صفو شهر الصيام

A A
ونحن نعيش أجواء شهر رمضان الكريم، عادت مشكلة انتشار المتسولين لتطغى على المشهد من جديد، حيث يلاحظ وجودهم في كثير من المواقع، لا سيما داخل المساجد وأمام إشارات المرور وعند مداخل المولات ومراكز التسوق، يستجدون المارة بطرق متكررة، ويستعطفون المتسوقين، ويشوّشون على المصلين في المساجد بأساليب تُسبِّب الضيق.

ولأننا شعب عاطفي، فإن الكثيرين لا زالوا يتجاوبون معهم ويمنحونهم الأموال، رغم الحملات التحذيرية المتكررة التي قامت بها الأجهزة المختصة، والتي نبَّهت إلى أن معظم هؤلاء المتسولين هم أفراد في عصابات منظمة، تمتهن هذا السلوك، وأن منحهم المال، وإن كان بمبالغ قليلة، يمثل خطورة كبيرة على الأمن والاستقرار، لأن التحقيقات التي قامت بها الأجهزة المختصة أثبتت وجود علاقة قوية بين الأموال التي تُدفع لهؤلاء؛ والأموال التي تتسرَّب لتمويل العمليات الإرهابية.

نعم، نحن شعب يميل إلى فعل الخيرات، ونفخر بذلك، ونسعد بمساعدة الآخرين، ومد يد العون للمحتاجين، وذلك لتربيتنا الإسلامية الأصيلة، وقيمنا العربية التي تقوم على النخوة والمروءة والشهامة والكرم، لكن ذلك لا ينبغي أن يكون على حساب أمننا وسلامتنا، أو أن ننساق وراء المخادعين الذين يتظاهرون بالفقر والمرض.

وحرصاً من الدولة على تقنين مكافحة هذه الظاهرة السالبة، فقد صدر نظام مكافحة التسول الذي حددت مادته الأولى في الفقرة الخامسة مفهوم المتسول بأنه: «مَن يستجدي للحصول على مال غيره دون مقابل، أو بمقابل غير مقصود بذاته، نقداً أو عيناً بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، في الأماكن العامة أو المحال الخاصة، أو في وسائل التقنية والتواصل الحديثة، أو بأي وسيلة كانت». ووضعت عقوبات صارمة تصل إلى السجن مدة لا تزيد على سنة، أو بغرامة مالية لا تزيد على 100 ألف ريال، أو بهما معاً.

ولإيجاد البديل الآمن الذي نستطيع عبره القيام بعمل الخير، فقد قامت الدولة بإنشاء منصة إحسان الخيرية التي تم تدشينها خلال السنوات الماضية لتقنين العمل الخيري والإنساني، وترسيخ مفاهيم التكافل والتضامن وغيرها من القيم الإنسانية الكريمة، وذلك لضمان وصول الدعم إلى المستحقين بمنتهى اليسر والسهولة. واستطاعت المنصة في وقتٍ وجيز تحقيق مجموعة من الأهداف البارزة، وفي مقدمتها تعزيز قيم العمل الإنساني، وتشجيع مؤسسات القطاع غير الربحي، وتوسيع أثرها، وتفعيل دور المسؤولية الاجتماعية في القطاع الخاص؛ باستحداث أدوات عصرية، ورفع مستوى موثوقية وشفافية العمل الخيري والتنموي، وضمان وصول الدعم لمستحقيه، إضافة إلى الارتقاء بمفاهيم الانتماء للوطن والتفاعل مع قضاياه.

ومما يُؤسف له؛ أن التسول بات حِرفة في هذا العصر، يقف خلفها أشخاص يتولّون جلب الأطفال والنساء وكبار السن، وتوزيعهم على بعض المواقع التي يتم اختيارها بعناية، ويقوم هؤلاء بالاستيلاء على ما يجمعه المتسولون في نهاية اليوم، مقابل توفير الطعام وأماكن المبيت، ونسبة معينة من «الإيراد».

الأخطر من ذلك كله هو ما ذكرته بعض المصادر الأمنية بأن هؤلاء المتسولين قامت عصابات الاتجار بالبشر بتهريبهم إلى أراضي المملكة بطرق غير شرعية، وهم بذلك يكونون عرضة للإصابة بأمراض مزمنة وخطيرة ونشرها، لا سيما أن معظمهم يعودون إلى دول تنعدم فيها معدلات الرعاية الصحية.

ولأننا في عصر تزايدت فيه الأوبئة والأمراض المعدية، مثل جائحة كورونا التي لا زلنا نعيش فصولها الأخيرة حتى الآن، فإن هناك حاجة ماسة للوقوف بحزم أمام قضية التسول، واتخاذ خطوات أكثر صرامة بحق الذين يقفون وراء تهريب هؤلاء البؤساء، وأن يتم تشديد الإجراءات القانونية لمواجهتهم، وإصدار عقوبات حازمة ضدهم حتى يكونوا عبرة لأمثالهم من المستهترين، الذين لا يترددون عن تهديد أمن وصحة المواطنين في مقابل تحقيق مكاسب مادية وقتية.

المطلوب هو تجاوب المواطن مع الجهود التي تهدف للقضاء على ظاهرة التسول، والتصدي لمن اعتادوا خداعنا، ويحاولون الاستفادة من أموالنا لتمويل العمليات الإرهابية التي تستهدف أمننا. ونناشد الأجهزة الأمنية بمزيد من الجهود للتصدي للمتسولين ومن يقف وراءهم، لوضع حد لهذه الممارسات السالبة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store