Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. محمد سالم الغامدي

معايير التقوى

A A
اللافت للانتباه أنه في ظل السطوة التي أصبح يحتلها التراث البشري الشرعي في ممارسات الأمة الإسلامية للشرع أصبحت أغلب المعايير التي يقاس بها تقوى البشر هي معايير بشرية أيضاً كأن يقاس مثلاً بالملة أو المذهب أو الطائفة أو لون البشرة أو بالمظهر كحضور الصلاة في المسجد وتقديم الهبات وطول اللحية ونوع اللباس بينما الحقيقة أن التقوى غير ذلك تماماً، فمعيار الصلاة في المسجد لا تستقيم إلا إذا ارتبطت بالعمل الصالح والقيم الفاضلة والسلوكيات القويمة خارج المسجد في مسارب الحياة لأن الصلاة فرضت لتعزيز العمل الصالح الصادق لوجه الله وممارسة القيم الفاضلة والسلوكات القويمة في مسارب الحياة.

أما المظاهر كاللباس واللحية فهي مجرد غطاء لا يمكن قياس التقوى به، فكم هم من يتهيأون بتلك المظاهر لكن دواخلهم التي تبرزها سلوكاتهم ومعاملاتهم تظل غير سوية حيث نجدهم يمارسون الكذب والنفاق وارتكاب المحرمات وسلب حقوق الآخرين وظلم الغير وممارسة الغيبة والنميمة والبهتان وأكل الربا.

وحتى نتبين ماهي المعايير الحقيقية التي يمكن قياس التقوى بها فلابد من العودة إلى كتاب الله تعالى حين وصفها والتي يمكن تقسيمها إلى قسمين: الأول: التقوى التي لا يعلم معيارها الحقيقي إلا الله سبحانه والتي يبينها قوله تعالى (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) وهذه ليست خاصة بالمسلمين فقط بل هي شاملة لكل الشرائع كما في قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)، فالتقوى محلها القلب ولا يعلم ما في القلب إلا الله سبحانه فهو الذي يعلم ما في الصدور.

الثاني: التقوى التي يلمسها البشر سلوكاً ومعاملة والتي تتضح من قوله تعالى (ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) وقوله تعالى (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ).

فهنا يستوجب الالتزام بتلك المعايير الربانية في الحكم على تقوى البشر لكن يبقى الحكم الأصدق والأبقى والأمثل هو حكم الله تعالى على تقوى عبادة.. والله من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store