Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سهيلة زين العابدين حماد

تحت الوصاية!

A A
هذا عنوان لمسلسل تلفزيوني تم عرضه في رمضان 1444هـ، وقد أثار قضية هامة في قانون الأحوال الشخصية المصري، وهي وصاية الجد على أولاد أولاده القصر وعلى مالهم مع وجود الأم، وبذلك أصبحت زوجة الابن المتوفى، تحت وصاية والد زوجها هي ونصيبها التي ورثته من زوجها (الثُمن)، إن كان ما تركه عقارًا أو شركة، أو مركب صيد أو سيارة أجرة، ومُلغيًا دور الأم في الولاية على أولادها القُصر، وعلى نصيبها من ميراثها لزوجها، ولا تكون الأم وصية على أولادها القُصر إلّا بعد وفاة الجد طبقًا لقانون الأحوال الشخصية المصري ما لم ينازعها ذكر من العصبة مثل العم.

وعند رجوعنا إلى الوصاية في المذاهب الأربعة نجد:

ورد في «بدائع الصنائع» (حنفي 5/155): «وأما ترتيب الولاية فأولى الأولياء: الأب ثم وصيه ثم وصي وصيه، ثم الجد ثم وصيه ثم وصي وصيه، ثم القاضي ثم من نصبه القاضي وهو وصي القاضي، وإنّما تثبت الولاية على هذا الترتيب لأنّ الولاية على الصغار باعتبار النظر لهم لعجزهم عن التصرف بأنفسهم، والنظر على هذا الترتيب، وليس لمن سوى هؤلاء من الأم والأخ والعم وغيرهم ولاية التصرف على الصغير في ماله، لأنّ الأخ والعم قاصرا الشفقة، وفي التصرفات تجري جنايات لا يهتم لها إلا ذو الشفقة الوافرة، والأم وإن كانت لها وفور الشفقة، لكن ليس لها كمال الرأي لقصور عقل النساء، فلا تثبت لهن ولاية التصرف في المال».

وورد في «الشرح الكبير مع الدسوقي» (مالكي 3/299): «والولي على الصغير: الأب الرشيد لا الجد والأخ والعم إلا بإيصاء من الأب، ثم يلي الأب وصيه فوصي الوصي، ثم يلي الوصي حاكم أو من يقيمه».

وذهب الشافعية في نهاية المحتاج في قولٍ لهم: إنّ الوصاية للأب ثمّ وصيّه، ثمّ للجدّ، ثمّ وصيه، لكنّ الأم تُقدّم على وصيهما، وذلك لكمال شفقتها عليه، وفي قولٍ آخر للشافعية؛ أنّه لا تلي الأم الأبَ والجدّ في الولاية.

وورد في «كشاف القناع» للبهوتي (3/446 حنبلي): «وتثبت الولاية على صغير ومجنون ذكر أو أنثى لأب، ثم بعد الأب لوصيه العدل، ثم إن لم يكن أب ولا وصيه أو كان الأب موجودًا وفقد شيئًا من الصفات المعتبرة فيه، ثبتت الولاية عليهما للحاكم، لأنّ الولاية انقطعت من جهة الأب فتكون للحاكم، لأنّه ولي من لا ولي له، فيقم الحاكم أميناً في النظر لليتيم والمجنون، والجد والأخ والأم وسائر العصبات لا ولاية لهم».

فالملاحظ أنّ هذه آراء لا سند لها من القرآن والسنة، حرمت المرأة من حق الوصاية على أولادها، رغم أنّ الله جل شأنه أعطى للمرأة حق الولاية في قوله تعالى:

(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَر).

أمّا قول الأحناف: لكن ليس لها -أي للأم- كمال الرأي لقصور عقل النساء، فلا تثبت لهن ولاية التصرف في المال، قول مردود، فلو كانت النساء قاصرات عقول، لما ساوى الخالق بينهن وبين الرجال في الحدود والقصاص والعقوبات التي أسقطها عن القاصر والمعتوه والمجنون.

وقد منحها الله جل شأنه حقي الولاية والشورى مثلها مثل الرجل: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَر).. (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ).. وسيدنا عمر بن الخطّاب ولّى ابنته أم المؤمنين حفصة على وقف أوقفه، كما ولى الشفاء من بني عدي على مراقبة الأسواق، وكانت أول مستشار في الإسلام أم المؤمنين السيدة خديجة، فقد استشارها رسول الله في أمر الوحي، كما أخذ بمشورة أم سلمة في أمر من أمور المسلمين، عندما رفض الصحابة التحلل من الإحرام بموجب صلح الحديبية، كما نجد مفتيات في مقدمتهن أم المؤمنين السيدة عائشة التي كانت تفتي في زمني أبي بكر وعمر.

أمّا عن نقصان دين النساء، فكيف نقول أن رسول الله قال إنهن ناقصات دين لأنّهن لا يصلين ولا يصمن في رمضان فترتي الحيض والنفاس، وهو يعلم أنّه محرّم عليهن إلى أن يطهرن؟.

وهكذا نجد أن ما أعطاه الإسلام للمرأة من حقوق يدل على كمال أهليتها، وأُعطيت حق الولاية على غيرها، وأنّها أهل للوصاية على أولادها القُصّر، وأنّ آراء فقهاء المذاهب الأربعة لا سند لها من القرآن والسنة الصحيحة.. وعند رجوعي إلى قوانين ومدوّنات الأحوال الشخصية في عالمنا العربي وجدتُ معظمها أبعد الأم عن الوصاية على أولادها القصر بعد وفاة أبيهم، وبعض تلك المدونات أعطى للجد حق الوصاية، وبعضها الآخر أعطى للقاضي تعيين الوصي، وبعضهم أعطى للأم حق الوصاية على أولادها القصر إذا عيّنها الأب.. فالذي أرجوه من المشرعين واضعي قوانين وأنظمة ومدونات الأحوال الشخصية في عالمينا العربي والإسلامي الذين استبعدوا الأم من الوصاية على أولادها القُصر، أن يُعيدوا النظر في حرمانها من حق الوصاية على أولادها، ويعطوها الأولوية في الوصاية بعد وفاة الأب.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store