Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد عجب

«جتني وظيفة حكومية»!

A A
على غير العادة، سأبدو اليوم قاسياً بعض الشيء على شبابنا وبناتنا طالبي الوظيفة، بعد أن برأت ذمتي لعقدين من الزمن، وأنا أحمل المسؤولية كاملة على (وزارة العمل سابقاً) ووزارة الخدمة المدنية، اليوم تفرض عليّ الأمانة الصحفية إلقاء بعضاً من المسؤولية تجاه من يُرشح لوظيفة أهلية على حساب عدة متقدمين، ويتم تدريبه وتأهيله وتسجيله بالتأمينات الاجتماعية، وفجأة يقدم استقالته بحجة "جتني وظيفة حكومية"!!

لقد تسببت العادات والتقاليد البالية التي تنتقص من عمل السعودي بوظيفة أهلية، بخراب بيوت الآلاف من الكفاءات الوطنية، حين فضل البعض منهم البطالة عن العمل بالقطاع الخاص، في حين فضل البعض الآخر العمل بها مؤقتاً (كفترة انتقالية) حتى تأتيه وظيفة حكومية، فاستحالت أحلامهم الوردية كوابيس سوداوية!!

ما دعاني للتطرق لهذا الموضوع من هذه الزاوية الحرجة، قيام شاب يحمل ثانوية عامة بتقديم استقالته من وظيفة (أخصائي تحصيل) بداعي حصوله على شهادة جامعية انتساب وقبوله بوظيفة حكومية، وذلك نزولاً عند إلحاح والده وإخوانه ونصيحة معارفه وأصدقائه، مع أنه يشعر بالمرارة، كونه سيخسر زملاءه وأجواء العمل الحضارية، البونص السنوي والعمولات الشهرية، بدل السكن والتأمين الطبي، الشهادات والمكافآت التشجيعية!!

بالمقابل سيتجرع المجتمع مرارة إقدام مثل هذا الموظف الأهلي على تقديم استقالته، مجرد حصوله على وظيفة حكومية، حين يعزز لدى أرباب العمل فكرة أن الموظف السعودي متعال غير جاد، وأن الوافدين أكثر ولاءً واستقراراً، حين يفسر أي تراخٍ أو إهمال، تأخير أو غياب ولو بعذر مقبول، بأنها بوادر توحي بتركه العمل فيتم تجهيز البديل وإنهاء خدماته، حينها تعمد الشركات للسعودة الوهمية تجنباً واستغلالاً لموجة تسرب الموظفين غير الجادين!!

أنا لا أنكر بالمقام الأول مسؤولية وزارة الخدمة المدنية، والجهات الحكومية والهيئات العامة، في إيجاد وظائف مناسبة للجامعيين، ولا أنكر طموح المبتعثين وحاملي الشهادات والتخصصات المتميزة بتولي مناصب قيادية حكومية، لكن على المجتمع أن لا ينكر بالمقابل أن بعض الشهادات والمهن الثانوية، ستنجح أكثر بالقطاع الخاص حين تتحرر من قيود البيروقراطية ورتابة الدرجات الوظيفية، وتخرج كل ما لديها من خبرة عملية ومهارات مهنية!!

صحيح أن الوظيفة الحكومية آمنة، والوظيفة الأهلية على شفا هاوية، لكن غالبية الموظفين الحكوميين يحتاجون لمصادر دخل إضافية يزاولونها مساءً كسمسرة العقار وعقود المقاولات، في حين لا يتكبد الموظف الأهلي الذي يعمل بالتحصيل أو التسويق هذا العناء حين يصرف له راتبه إضافة لبدل سكن، مواصلات، جوال، وبنزين، ويمارس نشاطه الإضافي هاتفياً مقابل عمله وهو جالس على مكتبه وأثناء ساعات دوامه!!

وحتى لا أبدو ناقماً على شبابنا وبناتنا طالبي الوظيفية، أجدني ألقي باللوم أيضاً على برامج السعودة، التي تغفل العروض التوضيحية لمزايا الوظائف الأهلية الإنتاجية، ولعلني أجدها فرصة لأكشف للمهتمين بأن هناك وظائف تحصيل وتسويق تصل عمولتها بالشهر 3 أضعاف الراتب، متى اجتهد المندوب وحقق المستهدف، ولو علم بها الموظف الحكومي وتهيأت له لقدم استقالته وحجته: "جتني وظيفة أهلية"!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store