Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. صالح عبدالعزيز الكريّم

لماذا «يرتشون» وهم «مستغنون»؟!

A A
عندما ذكر الله سبحانه وتعالى الأحبار (علماء اليهود) والرهبان (علماء النصارى) وصف كثيرًا منهم بأنهم يأكلون أموال الناس بالباطل (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ) فنص سبحانه وتعالى وهو عالم بهم على نوعية مجتمعية وهم علماؤهم والقائمون على أمور الدين فيهم ونص كذلك سبحانه وتعالى على أن مشكلتهم الكبيرة هي أكلهم أموال الناس بالباطل فكلمة «أموال» هي منزلقهم، وقد جاء في التفسير أن المقصود بذلك أنهم كانوا يرتشون ويتعاملون بالرشوة.

لقد احترت كثيرًا في مسألة المظاهر والمخابر وأحتاج إلى مساعدين وموضحين وفاهمين في الحياة، شخص يحمل مظاهر الطيبة من لحية ولبس متواضع وحريص دائمًا على تقمص شخصية الدين يهوديًا كان أو نصرانيًا أو مسلمًا ومع كل هذه الصفات الطيبة وهو من غير المحتاجين ماليًا أي أنه وأمثاله مستغنون، ثم بعد ذلك يبحثون عن مزيد من حطام الدنيا بوجه حق أو بغير وجه حق!! بممارسة صادقة أو ممارسة كاذبة!! ومع هذا المنزلق المخزي لدى الأحبار والرهبان ومن ماثلهم تجدهم يتصفون بشيء من الفوقية وشوفة النفس بأنهم أهل الدين، وعندما تذكر شيئًا من ذلك وأنهم كغيرهم ممن يتصف بأكل الرشوة تجد من يقول لك: لحومهم مسمومة، إن هذا في فهم الشرع من المبالغة في التزكية التي نهينا عنها شرعًا لقوله تعالى (فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) لأن البعض منهم لا تجد في محتواه كشخص غير المظاهر التي يتخفى وراءها لممارسة هواية الرشوة وأكل أموال الناس بالباطل، فبما تحكم على مثل هذه المظاهر وهذا التصرف؟

إن التربية على أكل الحلال كما يقولون تمنع بلا شك الوقوع في أكل الحرام، كما أن المسألة أولاً وأخيرًا مرتبطة بالخوف من الله في السر والعلن، لكن ماهو تفسير سير الناس في عالم الدنيا في اليابان وكوريا والفلبين وبعض دول أوروبا وكندا وأمريكا بعدم الوقوع في الرشوة؟!، هل ذلك له علاقة في التربية من أساسها وهم صغار في المدارس أم أن الأنظمة الصارمة بالعقوبة هناك هي السبب؟!

إن هناك من البسطاء في المجتمع من ضميره حي ولا يرتشي أو يبيع الأمانة ولو كان على فراش الموت، أتذكرون قصة تلك الفتاة التي طُلب منها أن تخلط اللبن بالماء لتغشه فرفضت وقالت إن أمير المؤمنين منع ذلك فقيل لها: وما يدري أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عنك؟ فقالت: لكن رب أمير المؤمنين يراني!! اعتقد مثل هذا الرد من فتاة صغيرة إنما سببه البيت الذي تربت فيه والمجتمع الذي عاشت في أكنافه، فالغش والرشوة يتماثلان في عمق المعنى من حيث التربية أي أنه لا يغش أو يرتشي من كان أساسه متينًا تربويًا.

إن أكثر من يرتشون ويأكلون أموال الناس بالباطل إنما هم الموسورون الذين استزلهم الشيطان بالبحث عن الزيادة في الأموال التي هم عنها مستغنون وليسوا بحاجة لها لذلك جاء التغليظ في أمر الرشوة، ففي الحديث الصحيح لعنًا صارمًا وإبعادًا عن رحمة الله لكل من يكون له دور في الرشوة «الراشي والمرتشي والرائش بينهما» لعن جماعي لعظم جرم الرشوة ولأنها مرتبة من مراتب تضييع الأمانة ولعظم ضررها على المجتمع، فبيوتنا وتعليمنا وإعلامنا بحاجة إلى حملة لغرس مفاهيم المواطنة بالأمانة وحفظ حقوق الوطن بحفظ حق مجتمعه بالبعد عن الحرام وتربية الأجيال على أداء العمل بعيدًا عن الرشوة لأنها من سمات كثير من الأحبار والرهبان كما وضح ذلك الله سبحانه وتعالى في كتابه.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store