Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. عادل خميس الزهراني

الشريك الأدبي: نعم الشريك والشراكة

A A
فكرة الشريك الأدبي جميلة.. رشيقة، وتعجبني.

هناك من لا يرى ذلك، لكنني لا أتفق مع أولئك الذين -لا يزالون- يعتقدون أن الثقافة لا تنتمي إلا للمؤسسات الرسمية والمراكز النخبوية فقط.. هذه فكرة عتيقة وخاطئة في الوقت ذاته، لأن الثقافة ببساطة تنتمي للمجتمع، والمجتمع منتجُ الثقافة بكافة أبعادها وأشكالها، والأدب أحد هذه الأبعاد المهمة للثقافة بطبيعة الحال.

قلت إن فكرة الشريك الأدبي تعجبني، وهو مشروع أطلقته هيئة الأدب والنشر والترجمة منذ عامين، واحتفلت هذا الأسبوع بختام الموسم الثاني وتكريم الشركاء الفائزين بجوائز الهيئة التي بلغت في مجملها 900 ألف ريال.. من شأن هذا التكريم وهذه الجوائز أن تبث الروح الإيجابية بين الشركاء، وترفع من حماسهم لخدمة الأدب والأدباء في مناطق المملكة المختلفة.

ثمانون شريكاً أدبياً يتنافسون خلال العام، عبر فعاليات ثقافية وأدبية متنوعة؛ يستضيفون الكتاب، ويحاورون النقاد والمفكرين، ويجمعون الناس حول الشعر والرواية والقصة وباقي الفنون الأدبية.. حضرتُ خلال العامين جلسات عديدة وثرية مع أصدقاء الثقافة؛ استفدنا، واستمتعنا، وتعارفنا أكثر.. من لا يحضر هذه الفعاليات لن يستطيع تصور الحراك الثقافي والأدبي الذي تسهم فيه هذه المبادرة.. هناك احتفاء حقيقي بالكلمة وبأصحابها، نتحدث هنا عن نافذة جميلة ومريحة، يلتقي فيها كبار الكتاب والأدباء والشعراء بأبناء وبنات المجتمع.. أصبح لشباب وشابات المجتمع أن يلتقوا بنماذجهم الأدبية، وكتابهم المفضلين، في أماكن يحبونها، ويألفونها؛ أعني المقاهي بطبيعة الحال.

الشريك الأدبي مقهى يحوله صاحبه إلى ملتقى للثقافة والمعرفة.. فيصبح المكان مرتعاً للكيف؛ كيفِ الراس والروح.. والمقاهي فكرة عصرية تنتمي لعالم المدينة الحديثة كما هو معروف، من يستغرب تكاثرها في مدننا يحتاج أن يراجع منطلقاته الفكرية، لعلها لا تواكب التطور..

نعم، المقاهي، ظاهرة اقتصادية في الأساس، وتواجه كل ما يواجه قطاع الأعمال من تحديات وظروف، لكن فكرة المقهى في ذاتها، فكرة حضرية، تنتمي للمدنية.. هذا ما يثبته التاريخ في تطور المجتمعات، وتكاثر المقاهي دليل على ذلك.. أصبحت المقاهي مكاناً أساسياً للتجمع، وقضاء الوقت، والشراكة الأدبية معها، تعني اقترابَ الأدبِ من الناس، في أماكن تجمعهم المفضلة.

وقد اجتمعنا مطلع الأسبوع في حفل تتويج الجهود، وتكريم الشركاء بعد سنة كاملة من العطاء؛ كان جمعاً بهيجاً بحق، أرقام مدهشة وقصص ملهمة؛ ثمانون شريكاً -من جدة والرياض وأبها وعرعر والباحة والمدينة المنورة ومن كافة مدن المملكة- تنافسوا على الجوائز، تنافسوا.. بعد أن استضافوا 1400 كاتب وشاعر من داخل المملكة وخارجها، واستقبلوا أكثر من 54 ألف زائر في هذه البرامج.. فاز مقهى (قروث) بالجائزة الأولى للسنة الثانية على التوالي، هذا ما يعلمه الجميع، لكن ما علمته لاحقاً أن ملاك المقهى (ومديرته النشيطة)، استغلت جائزة العام الماضي لتطوير العمل الثقافي للمقهى، ومضاعفة عدد البرامج الأدبية لتستحق جائزة هذا العام.

الدكتور أحمد التيهاني، تحدث لي عن الشريك الأدبي في أبها وكيف كانت سعادة أهل أبها باستضافة عبده خال وحواره في ليلة لا تنسى.. أما الدكتور صغيّر العنزي فقد حدثني عن (رشم) وعن تضحيات صالح الحماد في خدمة الثقافة والأدب في مدينته عرعر.. رشم مقهى ثقافي، ودار نشر، ومنصة للدهشة.

جاسم الصحيح، قِبلة الشعر السعودي وقُبلته، ألقى في الحفل قصيدة فائية رشيقة مثل قلبه.. جاسم أخبرني بقصة عجيبة وطريفة؛ حين استضافه مقهى رشم، أهداه الحماد رواية (تغريبة القافر) للعماني زهران القاسمي، وقال له: هذه الرواية طبعتها دارنا، وستفوز بالبوكر، وهذا ما كان.. الأعجب أنها المرة الثانية التي تفوز رواية بالبوكر، وناشرها رشم؛ الشريك الأدبي، أنعم بها من شراكة!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store