Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عبدالرحمن عربي المغربي

رحلة الحج.. ميلاد الحجيج

A A
يتجدد نداء المولى عز وجل لحج بيته الحرام كل عام، وهو الركن الخامس من أركان هذا الدين العظيم، ليلتقي الإنسان بعالمه الحقيقي الذي يعيش فيه، خالياً من كل مظاهر الدنيا الفانية، ويعيش بشعوره الروحاني الخالص لله في مشاعر فريضة الحج، وفي تلك البقعة الشريفة التي يفدون إليها من كل بقاع الأرض، يمتثلون لأمر الله عز وجل، في ذلك المنظر الذي تهفو فيه القلوب للوقوف بجبل عرفات، جبل الرحمة، في هذه الحكمة الربانية التي تحمل الكثير من المشاعر والأحاسيس، التي يعود فيها الحاج إلى لحظة الميلاد، كيوم ولدته أمه.

هذا الموقف الذي يمكن وصفه بالموقف التاريخي، الوقوف بجبل عرفات الله، وعين الحاج على ذلك المكان، الذي وقف فيه نبي الرحمة، الحبيب المصطفى عليه صلوات الله وسلامه، وهو اللقاء الذي يوصف باللقاء الاستثنائي بين العبد الذي يطمح للمغفرة التامة وبين ربه الرحيم الغفور.

إنه شعور يعجز وصفه وترجمته، يحس به الحجاج وهم في ذلك الموقف، بعد أن أتوا شعثاً غبراً تسبقهم قلوبهم، وكأنهم جسد واحد.. لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.. ثم يقفون بين يدي المولى، ليتذكروا حجة الوداع، وكيف أن المصطفى صلى الله عليه وسلم قال خطبته في وادي عرفات، عندما وجد القبة التي ضربت له بنمرة، فنزل بها حتى إذا غابت الشمس أمر القصواء ناقته فرحلت له، فأتى بطن الوادي، وقال خطبته المأثورة في حجة الوداع: «أيها الناس، اسمعوا مني أبيِّن لكم، فإني لا أدري لعلِّي لا ألقاكم بعد عامي هذا، في مَوقفي هذا».

«أيها الناس، إن دماءكم، وأموالَكم، حرامٌ عليكم إلى أن تَلقَوْا ربَّكم، كحرمةِ يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت، اللهم فاشهد، فمن كانت عنده أمانة، فليؤدِّها إلى من ائتمنه عليها». «أيها الناس، إنما المؤمنون إخوة، ولا يَحلُّ لإمرئ مالُ أخيه إلا عن طيب نفسٍ منه، ألا هل بلغت، اللهم فاشهد، فلا ترجعوا بعدي كفَّارًا يَضرب بعضُكم رقابَ بعض، فإني قد تركتُ فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعده؛ كتاب الله». «أيها الناس، إن ربَّكم واحدٌ، وإن أباكم واحد، كلكم لآدمَ، وآدمُ من تراب، أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي فضل على عَجمي إلا بالتقوى، ألا هل بلغت، اللهم فاشهد»٠

وبعد ذلك يتجهون إلى بيت الله الحرام، ليطوفوا ويسعوا، فترى الحاج مستبشراً، ويده على الملتزم وعند باب الكعبة، ويصلي أمام مقام سيدنا إبراهيم صلوات الله عليه، ثم يُقبِّل الحجر الأسود، وقلبه قد تعلق بقطعة من الجنة، هذه الوفود أتت بعد أن فارقوا الأهل والأحباب، وتركوا الغالي والنفيس، يتشوَّقون ويرجون رحمة رب السماء ومغفرته.. نسأل الله أن يكتبها لنا ولكل مشتاق.. وكل عام وأنتم بخير.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store