يعد تمكين المرأة أحد أهم المبادرات التي أطلقتها الدولة لجعل المرأة شريكة للرجل في التنمية الوطنية؛ فقد جاءت رسالة رؤية 2030، «بأن المرأة السعودية تعد عنصراً من عناصر قوتنا، إذ تشكل ما يزيد عن 50% من إجمالي عدد الخريجين، وسنستمر في تنمية مواهبها واستثمار طاقاتها وتمكينها من الحصول على الفرص المناسبة لبناء مستقبلها، والإسهام في تنمية مجتمعنا واقتصادنا».
وعى المجتمع السعودي هذه الرسالة القيمة، وتغيرت أيديولوجيته من تغييب للمرأة والتشكيك في قدراتها؛ إلى الثقة والتمكين والمشاركة في التنمية في كافة المجالات؛ وقد بدأت الدولة في ذلك من خلال التسهيلات الكبرى التي أُعطيت لها، ومنها قيادة المرأة للسيارة في 2017م، ووفرت لها برامج مثل (وصول ) للمواصلات، وبرنامج (العمل المرن) للعمل عن بعد، وخاصة وقت جائحة كورونا. كما تستطيع الحصول على سجل الأسرة للأبناء في حالة الطلاق أو الخلع، وأصبح يسمح لها بالسفر إذا بلغت 18 عاماً دون إذن وليها.. وغيرها من الإجراءات.
ومن جانب آخر تقلدت المرأة مناصب قيادية كانت حكراً على الرجال، ومنها تعيين سمو الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان سفيرة للسعودية في واشنطن، وكذلك الأستاذة آمال المعلمي في النرويج.. بل شكلت المرأة جزءاً مهماً في الهياكل الإدارية والتنظيمية في القيادات الأمنية في النيابة العامة، والشرطة والتحقيقات القضائية في وزارة العدل. بل وعملت في الجيش السعودي، كما وصلت للفضاء.. كل ذلك بدعم من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-، وسمو ولي عهده الأمين عرَّاب الرؤية، الذي كان جازماً بأن تطور اقتصاد الوطن لن يتحقق إلا بمشاركة أبناء وبنات الوطن.
ولم يقتصر ذلك على القطاع الحكومي، بل امتد إلى القطاعين غير الربحي والخاص؛ حيث تمثل نسبة مشاركة المرأة في القطاع الخاص في سوق العمل 37% عام 2022م، وأن هناك أكثر من 2.2مليون سيدة؛ كما أكد على ذلك معالي وزير الموارد البشرية المهندس أحمد الراجحي.
ومن ضمن الجهات الأكثر تمكيناً للمرأة وزارة الحج والعمرة، حيث تعمل كوادر نسائية في مختلف الوظائف ومنها وظائف قيادية، وهناك بعض شركات أرباب الطوائف أيضاً عملت على تمكين المرأة، ولم تضع شروط وعراقيل ضد عملها بحجة عدم توفر بيئة مناسبة لها!، ومنها الشركة الناشئة (شركة رواف منى لخدمات للحجاج)، حيث وظفت كوادر نسائية في كافة مجالات خدمات الحجاج سواء في الاستقبال والإسكان والتموين، والشؤون العامة، بل حتى في المراقبة والمتابعة، وعلى مستوى القيادة، وكذلك في الجودة لمراقبة جودة الأداء على مستوى الشركة، وعلى مستوى المراكز، وتوظيف فرق للمتابعة من السيدات لمتابعة تطبيق الجودة الإجرائية، والجداول والاستمارات التي تضبط مهام كل قطاع في رحلة الحاج، بحيث نضمن دقة في الأداء وأخطاء صفرية بإذن الله.
وقد حذت مراكز الخدمة لهذه الشركة حذوها في توظيف المرأة وتمكينها، حتى أصبحت المرأة عضوا من أعضاء القطاعات الأساسية في بعض المراكز، وهذا كان نادرا ما يحدث، بل وفي قطاعات مهمة جداً مثل تجهيز المخيمات والتغذية في مشعر منى، وأخرى في الاستقبال والمغادرة والجوازات.
كل هذه الثقة التي أُعطيت للمرأة في خدمة حجاج بيت الله الحرام لأن لها تاريخ سابق في الخدمات، بالإضافة إلى مكتسباتها العلمية والمهارات المتنوعة التي تمتلكها في التعامل مع ضيوف الرحمن. بل أشعر أن المرأة أكثر حرصاً ودقة في العمل، لأنها تمتلك الإحساس المرهف وتدير العمل بالاعتماد على الذكاء العاطفي، الذي هو من أقوى أنواع الذكاءات في خدمة عملاء مثل ضيوف الرحمن. وحتماً تحتاج إلى دعم في البداية ولكنها ستنطلق نحو النجاح.
بقى أن نقول إن هناك أدبيات أيضا نشرتها الشركة لموظفيها للتعامل في بيئات العمل المختلطة أو المشتركة ومن أهمها: الالتزام بأدب الحوار، واللباقة في الحديث، وعدم استخدام أسلوب المزح مع الجنس الآخر حتى لا تنحرف العلاقة إلى زوايا لا تخدم العمل، وكذلك انتقاء المفردات المهذبة التي تدل على الذوق الرفيع. وربما أضيف على ذلك أنه على المرأة احترام مظهرها العام، والاحتشام، وعدم المبالغة في وضع مساحيق التجميل وغيرها.. فالمرأة المتزنة جاءت لتؤدي العمل، وليس لإظهار مفاتنها، مما قد يعرضها للأذى من بعض ضعاف النفوس.
هذه مبادئ عامة نتمنى أن تطبق في جميع بيئات العمل المختلطة، حتى تكون بيئة صحية ومنتجة وناجحة.
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
