Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. عادل خميس الزهراني

شعرية الروبوت.. اتساع الأفق وضيق البصيرة

A A
يشير أحمد الرحاحلة في كتابه المهم (نظرية الأدب الرقمي II) إلى قصة صوفيا (الفتاة/الروبوت التي حصلت على الجنسية السعودية)، بعد ثلاث سنوات من ميلادها، وقد ولدت كبيرة مكتملة البهاء وشبيهة بالفنانة البريطانية أودري هيبورن (Audrey Hepburn).. في شهر ديسمبر من العام 2019، طمأنت صوفيا الصحفيين الذين سألوها عن إمكانية تمرد الروبوتات على البشر قائلة: «إن عمرها 3 سنوات، وتعمل سفيراً آلياً في إطار برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للمشتركة في تحسين حياة البشر».. وأضافت: «لا تنافس بين البشر والروبوت، وأنها كائن بلا وعي أو مشاعر، وأنها حتى الآن تعتمد على من قام ببرمجتها، وعلى البشر أن يربوا الروبوتات كما يربون أطفالهم».

لا يمكن لي وأنا أقرأ حديث صوفيا أن أمنع نفسي من التفكير في المرحلة المقبلة؛ حين يصبح للروبوت وعي ومشاعر، وحين يكبرُ الأطفال الذين نربيهم، ويخرجون لمواجهة العالم بعد أن اكتمل نموهم، وصُقلت شخصياتهم.. ماذا سيكونون؟ وماذا سيفعلون بالعالم؟ وبنا؟

يميل الرحاحلة إلى مصطلح (الأدب الاصطناعي) ويعرفه بأنه: «فرع من فروع تطبيقات الذكاء الاصطناعي، ومجاله تلك الأنواع والأجناس الأدبية التي تقوم بإنتاجها الآلات والبرمجيات المستندة إلى ذكاء صناعي، وغايته إنتاج أعمال أدبية قائمة على المحاكاة والتقليد للسلوك الأدبي البشري، من خلال تحليل أشهر الأساليب الأدبية الإنسانية، وتخزينها، ومعالجتها، واسترجاعها آلياً».

يعرّج الرحاحلة على تجربة ناصر مؤنس في مجموعته (مهرج زرادشت: ليس لعبة- ليست كتابة) التي اعتمدت على آلة الحكمة (wisdom machine) التي صنعها كل من نديم كوفي وطلال رفعت، لتكون برنامجاً ينتج الكلمات.

ينشر مؤنس في القسم الآخر من الكتاب عدداً من النصوص الشعرية التي أنتجها البرنامج تحت عنوان (ألف قصيدة وقصيدة). وهي نصوص مكثفة، لا تخلو من حكمة وشعرية. من مثل: «العاثر يحتضنه الفضاء»، و»النار الحقة ترنحات اللهب في الظل»، و»الذكرى عجوز تتكئ على عكازها».. وقد وجدت أن النصوص تقترب في روحها الشعري من بعض نصوص محمود درويش، وكثير مما نشره أدونيس.. ألا يمكن أن يكون أدونيس شاعراً/روبوتاً؟!

لكن الرحاحلة يخلص بعد دراسة نصوص المجموعة إلى عدد من السمات العامة (السلبية في مجملها) كافتقادها للمضمون أو الرؤية، وافتقار تراكيبها للانسجام وضعف اتساقها، وإيجازها المفرط، وحدة تكثيفها، وغياب الهوية الإبداعية، وإفراطها في الاعتماد على اللعب اللغوي، وافتقارها للتوهج العاطفي.

لا أعتقد أن الجميع يمكن أن يتفق مع خلاصة الرحاحلة، وقد يخرج القارئ بنتائج مختلفة، مثل التي وصلت لها أنا، وهي لا تتفق إجمالاً مع ما ذهب إليه الرحاحلة، لأنها مسألة حتمية كما يبدو، أعني اختلاف الأذواق، والقراءات هنا.

لكني أعتقد أن نتائج الرحاحلة في نهاية الفصل تبدو لافتة، وتستحق وقفة أيضاً؛ حيث رفض الرحاحلة «إدراج النصوص التوليدية ضمن الأجناس الشعرية الأدبية»، لأن التقارب بينها وبين الشعر غير كافٍ لعدها شعراً، ويفْصلُ الرحاحلة في الأمر: «لن تستطيع الآلات والبرامج أن تحمل لقب (شاعر) إلا بالمعنى المجازي، ما دامت عاجزة عن إنتاج تعبيرات أدبية إنتاجاً ذاتياً، وما دامت خاضعة في إنتاجها لرؤية إنسانية، وتغذية نصية ولغوية وعناصر بنائية ضمن الذائقة البشرية».. لاحظت أن الرحاحلة يبدو حذراً وهو يطلق هذه الأحكام اليقينية، فيضع احترازاً بين الحين والآخر، من مثل: (في حدود التجارب والتطبيقات المتاحة)، أو (هذه الدراسة لا تستبعد فكرة الوصول إلى برامج توليدية فائقة، قادرة على إنتاج نصوص شعرية متنوعة...)، وهو ما يلمّح إلى قلق الرحاحلة من إمكانات التطور المتاحة أمام هذا العالم باستمرار.

تظل مناقشة رحاحلة -رغم أهميتها وإضافتها في الحقل- تسبح في حدود القراءة الإنسانوية، التي ترى في الإنسان مركزاً، وفي كل شيء -بما في ذلك الذكاء الاصطناعي- مجرد أدوات لخدمته ورفاهه.. وسنلاحظ لاحقاً أن خطاب ما بعد الإنسانوية في المجمل يسائل هذه القناعة ويتحداها، فالعالم مليء بالكائنات التي تسكنه وتشاركنا في العيش والتأثير فيه.. والروبوتات واحدة من هذه الكائنات.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store