Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
طارق علي فدعق

بالجــرام

A A
إحدى أروع الأكلات في العالم هي «الساقو» أو «الساقودانه»، التي زاد عشقي لها عندما زرت الأحساء الجميلة.. وعدد الخلايا في جسم الإنسان تقدر بأكثر من سبعة وثلاثين ترليون خلية، وأكاد أن أجزم أن كلها بداخلي تعشق هذه الأكلة الرائعة.. إحدى مكوناتها المهمة هي الزعفران، الذي يتميز بالشكل، والرائحة، والطعم الرائع.. ولكنه يتميز أيضاً بأسعاره المرتفعة.. كل جرام هو نتاج ما يقارب المائة وخمسين زهرة من نبات «الزعفران السوسني»، وبسبب سعره المرتفع فيتم تسعيره بالجرام، وهو طبعاً وحدة قياس كتلة أساسية تبلغ واحد على الألف من الكيلوجرام.. وللمعلومية، فكيس الشاهي يزن 2 جرام.. والتسعير بالجرام يخفف من صدمة الغلاء.. وحيث إن العالم كله يعاني من ارتفاع الأسعار، فإليكم تسعير سلع ومنتجات مختلفة بالجرام: سأبدأ بالزعفران، ويبدأ سعره من حوالى عشرين ريالاً للجرام الواحد.. وللمقارنة، فسعر جرام الذهب اليوم يبلغ حوالى 210 ريالات، وبالرغم من سعره المرتفع، فهو ليس أغلى العناصر.. عنصر «الروديوم» مثلاً يصل إلى أكثر من ألف ريال للجرام الواحد، وهناك بعض العناصر الأخرى التي تفوق ذلك السعر، وخصوصاً تلك التي يتم تصنيعها في معامل خاصة وبطرق متقدمة ومكلفة جداً، ومن أشهرها عنصر «الفرانسيوم» المذهل، الذي من الممكن أن يصل سعره إلى أكثر من مائة مليون ريال للجرام الواحد.. وتعتبر ذرات هذا العنصر المشع «دبب» العناصر الطبيعية، لأنها الأكبر حجماً.. وليس بالضرورة أن يقتصر التسعير بالجرام على عالم المأكولات والكيمياء فحسب.. كنت أفكر في شراء سيارة «تويوتا كراون» جديدة، ووجدت أن سعرها مرتفعاً، وللتخفيف عن حالتي النفسية بسبب سعر السيارة، حرصت أن أُسعِّرها بالجرام، ووجدت أنه حوالى عشرة ريالات.. روعة.. طلعت «التويوتا كراون» أرخص من الزعفران.. أقل تكلفة من «الساقو».. ولكن قارنتها بسعر الجرام لطائرة البوينج 777؛ التي يصل سعرها إلى حوالى مليار وثلاثمائة مليون ريال، ويصل وزنها بدون حمولة أو وقود إلى حوالي مائة وخمسين ألف كيلوجرام.. يعني الجرام سعره حوالى تسعة ريالات.. أرخص من التويوتا والزعفران.. طبعاً هذه المقارنة لا تأخذ في الاعتبار العديد من الاعتبارات ومنها: عدد الركاب، والتكلفة التشغيلية، والإهلاك.. ولا تبرر أن نختار البوينج كأحد بدائل التويوتا. وبما أننا طلعنا إلى السماء في مقارنات الأسعار، فلننظر إلى أغلى المنشآت، وهي محطة الفضاء الدولية التي زارها روادنا الأبطال «علي القرني» و»ريانة البرناوي» خلال الشهر الماضي.. كلف تشييد المحطة ما يعادل حوالى خمسمائة وستين ألف مليون ريال، على مدى حوالى 10 سنوات، بجهود أمريكا، وروسيا، واليابان، وكندا، وخمس عشرة دولة أوروبية.. وللعلم، فوزنها يبلغ حوالى أربعمائة ألف كيلوجرام.. ما يعادل حوالى ألف وأربعمائة ريال للجرام الواحد.. ولا عجب في ذلك، فقد تم رفع مكوناتها المختلفة إلى الفضاء الخارجي في مركبات فضائية مختلفة، أهمها المكوك الفضائي. ولن تجد تكاليف نقل أغلى من النقل من الأرض إلى الفضاء، حيث تقدر تكلفة نقل الجرام الواحد بأكثر من أربعين ريالاً للكيلوجرام الواحد.. يعني إرسال ما يعادل كتلة كيس شاهي واحد، تُكلِّف أكثر من ثمانين ريالاً.

* أمنيـــــــة:

من النقاط المهمة التي وردت أعلاه، أن السعر المرتفع والتكلفة المرتفعة، لا يعكسان بالضرورة القيمة المرتفعة.. عنصر «الفرانسيوم» الباهظ التكلفة المذكور أعلاه سعره أعلى بكثير، ولكن قيمته أقل بكثير من قيمة «الساقو». أتمنى أن ندرك دائماً الفوارق الجوهرية بين مفاهيم التكلفة؛ والسعر والقيمة، فبعض من السلع غير المكلفة تعكس أعلى القيم، وما أكثر الأمثلة على ذلك، ومن أهمها: الهواء، والماء.. وملايين الروائع التي أنعم الله علينا بها، وهو من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store