الاستثمار في الإنسان!

إن الثروة الحقيقية لأي بلد هي الإنسان، بغض النظر عن نشأته، أو عرقه، أو أصله، أو فصله، أو مذهبه؛ فالاستثمار في بناء الإنسان يعتبر من أعظم أنواع الاستثمار وأكثرها ربحاً. من أجل ذلك نجد دولاً كثيرة - خاصةً مما يسمى اليوم بالعالم المتقدم - تشجع على هجرة العقول والكفاءات البشرية إليها، وقد فهمت هذه الدول منذ القدم هذا الأمر، ففتحت البابَ واسعاً للمهاجرين من شتى بقاع الأرض، وحتى الصين ذات التعداد المهول من السكان، والذي بلغ ذروته عند 1.426 مليار نسمة في عام 2022م، استثمرت في الإنسان، وبعقله وإبداعاته أصبحت الصين القوة العظمي بعد الولايات المتحدة الأمريكية، وكثير من المؤشرات في وقتنا الحاضر تشير إلى أن القرن القادم سيكون قرن صيني بامتياز.

دعاني للكتابة في هذا الموضوع، مقال ممتع لعالم الجيولوجيا النرويجي الجنسية من أصول عراقية الدكتور «فاروق القاسم»، والذي وصل النرويج مهاجراً عام 1968م؛ أترككم مع ما جاء فيه بدون تعليق:

بدأ بقوله: لا تحدثني عن ثروة أي بلد؛ وأهله مشحونون بالحقد والعنصرية والمناطقية والجهل والحروب.. نيجيريا من أكثر الدول غنىً بالثروات والمعادن، ومن أكبر دول العالم المصدرة للبترول، ولكن أنظر إلى حالها ووضعها، والسبب أن الإنسان فيها مشبع بالأحقاد العرقية، ومحمل بالصراعات!.

فيما سنغافورة، البلد الذي بكى رئيسه ذات يوم لأنه رئيس بلد لا توجد فيه مياه للشرب..! اليوم يتقدم بلده على اليابان في مستوى دخل الفرد!.

في عصرنا الحالي، الشعوب المتخلفة فقط هي التي تنظر لباطن الأرض، وما الذي ستخرجه كي تعيش، في الوقت الذي أصبح الإنسان بحد ذاته هو الاستثمار الناجح والأكثر ربحاً.

هل فكرت وأنت تشتري جوال «آيفون»؛ كم يحتاج هذا التليفون من الثروات الطبيعية؟ ستجده لا يكلف دولاراً واحداً من الثروات الطبيعية!.. فقط كميات بسيطة من الحديد، وقطعة زجاج صغيرة، وقليل من البلاستيك، ولكنك تشتريه بمئات الدولارات تتجاوز قيمته عشرات براميل النفط والغاز.. والسبب أنه يحتوي على ثروة فكرية تقنية من إنتاج عقول بشرية!.

هل تعلم أن إنساناً واحداً مثل (بيل غيتس) مؤسس شركة «مايكروسوفت» يربح في الثانية الواحدة 226 دولاراً؟، هل تعلم أن أثرياء العالم لم يعودوا أصحاب ثروات طبيعية، وإنما أصحاب تطبيقات بسيطة على جوالك؟، هل تعلم أن أرباح شركة مثل «سامسونج» في عام واحد 327 مليار دولار؟، تحتاج لمائة سنة لتجمع مثل هذا المبلغ من الناتج المحلي!؟.

أيها الواهم بأن لديك ثروة ستجعلك في غنى دون الحاجة إلى عقلك!.

هُزمت اليابان في الحرب العالمية الثانية، وفي أقل من خمسين عاماً انتقمت من العالم بالعلم والتقنية.

وبقي الأغبياء يسألونك عن مذهبك، أو من أي جهة أو قبيلة أو شريحة أو فئة أنت. أ.هـ.