Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

الغرب.. هل نرجو دماره؟!

A A
اكتسبت مفردة (الغرب) قوتها وسطوتها من قوة الدول التي تنضوي تحت هذه المفردة وسطوتها؛ فدول الغرب وعلى رأسها أمريكا ودول أخرى كبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وغيرها؛ ظلت إلى وقتٍ قريب تُمثِّل مركز الثقل السياسي والاقتصادي والعسكري والعلمي والحضارة المادية، وتبعًا لذلك كان لها ما أرادت من السيطرة والهيمنة العسكرية والثقافية على دول العالَم. لقد شكَّل (العلم والصناعة والحرية) ركائز أساسية في نهضة دول الغرب وتفوقها، وهو الأمر الذي جعلها في المقدمة، وجعل منها شرطيًّا للعالم، وضابطًا لإيقاع نهضته وثقافته وقِيَمه، أو حروبه، دماره وتخلفه. موقف العرب من الغرب يأخذ في العادة اتجاهين متوازيين؛ الاتجاه الأول: اتجاه الرجاء له؛ وهو الاتجاه الذي يقر للغرب بهذه النهضة الحضارية المادية في شتى أنحاء العالم المتمثلة في التقدم العلمي والتقني، والكم الوافر من المكتشفات والمخترعات والآلات والأدوات المتقدمة، وعلوم الطب والفلك والاتصالات والمواصلات، ومعظم ما تتمتع به البشرية من رفاهية في كل شؤون حياتها، حيث أصبح لا غنى لها عن هذه المنجزات العصرية الفريدة، بل إن حياة العالم بأسره سترتد إلى صورتها الأولية البدائية لو تعطلت هذه المنجزات، أو لم تستمر، أو لم يُعمل على تطويرها وتحديثها. هذا الاتجاه أجزم أن الجميع -عربًا وغير عرب- يرجون بقاءه واستمراريته وعدم زواله، حتى لو كان القائم عليه والمُنتِج له هو الغرب بعينه، ولا شك أن العرب يرجون أن يأتي اليوم الذي ينتجون فيه بأنفسهم هذه المنتجات المتطورة، ليخدموا أنفسهم بأنفسهم، لكن مادام أنه ليس باستطاعتهم التفوق في هذا الاتجاه، فلا إشكال لديهم في استمرارية تدفقه من لدن الغرب، ولا إشكال في رجائهم بأن يبقى ويستمر، حتى ولو كان مصدره غربيًّا؛ كونه اتجاهًا يحمل النفع والرقي للبشرية.

الاتجاه الأخير من العرب تجاه الغرب، هو اتجاه الرجاء منه؛ وهو الاتجاه الذي يرجو من الغرب أن يكف كليًّا عن تدخلاته في الشؤون العربية، وهي التدخلات التي تأتي في صور متعددة، كالاحتلال العسكري الذي كان حالًّا في كثير من الدول العربية حتى نالت استقلالها، ولكنه ما يزال يتربص بها، والمسانَدة للمحتل اليهودي في فلسطين، والهيمنة الثقافية، وفرض الوصاية، ونشر السلوكيات الشاذة، والتحريش بين الدول العربية وامتصاص خيراتها. هذا الاتجاه بالذات هو الذي صنع من الغرب عدوًّا قائمًا للعرب بل والمسلمين، بل ودول أخرى خارج الدائرة العربية والإسلامية، وهو الاتجاه الذي يرجو العرب من الغرب أن يكف عنه حتى يتحقق السلام والأمن والاستقرار في العالم العربي، وهذا الاتجاه هو الذي خلق العداوة للغرب، وجعل مؤشر كراهية العرب غربيًّا بحتًا، في حين لا نجد للعرب عداوة مع الشرق، وخاصة دوله المتقدمة تقنيًّا وصناعيًّا كاليابان، والقوية عسكريًّا كالصين والكوريتين، وما ذاك إلا لأن هذه الدول اشتغلت على الاتجاه الأول، فرجونا لها مزيدًا من التقدم والاستمرارية والارتقاء، ولم تلتفت للاتجاه الثاني مع العرب، خلاف الغرب الذي اشتغل على الاتجاهين، فرجونا له التقدم والاستمرارية والارتقاء في الاتجاه الأول، ورجوناه أن يكف عن الاتجاه الثاني الذي خلق كراهيتنا له، وهو الأمر الذي بينته في مقال سابق بعنوان: (مؤشر كراهيتنا غربي).

والخلاصة: لو خيروني بين دمار الغرب وبقائه لاخترت بقاءه؛ شرط اشتغاله على ما يخدم البشرية حضاريًّا، وكفِّه عن تدخلاته العسكرية والثقافية والأخلاقية وتحريشاته بيننا، ومناصرته للمحتل اليهودي، وبذا تصبح نظرتنا العربية له كنظرتنا للصين أو اليابان أو كوريا، التي أتانا نفعُها ولم يصلنا ضررُها، فحظيت باحترامنا وتقديرنا.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store