Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. محمد سالم الغامدي

العرب وحالة التشكل العالمي

A A
في ظل ما يحدث في العالم من حالة تشكل جديد بدأت معالمه تتضح من خلال المتغيرات الجارية والمتسارعة التي أحدثت الكثير من التغير في ميزان القوى العالمية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية، وحتمًا سيتبعها الجغرافية أيضًا، فالعالم الأول منذ زمن يعيش حالة تسارع وتنافس في مختلف المجالات الحياتية عدا العالم العربي الذي لازال يراود مكانه فكرياً وسياسياً واقتصادياً عدا بعض الدول التي بدأت تعيش نهضة لافتة في مختلف المجالات في محاولة للحاق بهذا الركب الذي اتسعت الفجوة بينه وبين الدول العربية مثل المملكة العربية السعودية التي بدأت تعيش قفزات سريعة ومتباعدة للحاق بهذا الركب وبالرغم من ذلك فإن تلك المحاولات الجادة التي تقوم بها في ظل قيادتها الرشيدة إلا إن القوى الكبرى التي اتخذت من هذا الوطن -أقصد العربي- موقفًا تحاول بشتى الصور إفشال هذا التوجه من خلال الكثير من الممارسات المكشوفة.

ولعل هذه الحالة المتثاقلة حضارياً التي يعيشها الوطن العربي كانت نتيجة لأسباب متجذرة أدت إلى ذلك، هذه الأسباب يمكن إيجازها فيما يلي:

- الحالة القبلية المتمكنة في مختلف مساربه بالرغم من حالة التمدن التي يعيشها، لكن الفكر القبلي لازال يسيطر على سلوكاته ومعاملاته وأسلوب ادارته فأنظمة الحكم على سبيل المثال لا الحصر التي تعد رأس الهرم لازالت تحكم عند البعض بمفاهيم الفكر القبلي وإن تغيرت أدواته وأساليبه ولازالت بعيدة كل البعد عن الأنظمة المدنية الحديثة التي تقوم على الديمقراطية وتكافؤ الفرص والعمل المؤسسي ونتيجة لذلك نجد أن تدرج الهيكلة من الأعلى إلى الأدنى تمارس نفس النهج.

- المنطقة العربية يتوفر بها كل المقومات الحضارية كالثروات والثروة البشرية كذلك والمواقع الإستراتيجية التي تجعلها متمكنة من الحراك الاقتصادي العالمي لكن للأسف كل تلك المقومات مهدرة بسبب الفكر القبلي القديم الحديث.

- الفهم المغلوط للدين الذي نشره البعض من الفقهاء والمحدثون باجتهادات شخصية ومكذوبات أبعدتهم عن كتاب الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والذي ينادي بالعمل والتقدم وإشغال الفكر والبحث والإنتاج عكس ما ينادي به هؤلاء الفقهاء والمحدثون الذين حولوا المسار الديني الذي أنزله الله تعالى في 600 صفحة وجعلوه ملايين الصفحات وأعاقوا بها مسار النمو الحضاري وتناسوا قول الله تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) وقول تعالى (مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ) وقوله تعالى (وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا).

- لاشك بأن معاهدة سايكس بيكو المشؤومة التي خططت لتقسيم الوطن العربي بين القوى الأوروبية في تلك الفترة قد تمكنت تماماً من تفكيك جزء من هذا الوطن الكبير وهدر ثرواته لصالحهم ولعل المحزن أن الوضع لم يتبدل بل تمكن أكثر فتحول هذا الجزء إلى قبائل مدولة مدنياً كل شيخ يحكم ما يملكه من حدود.

ولعل الانفكاك من هذه الحالة المستعصية لا يتم إلا من خلال الإنفكاك من تلك الأسباب السالفة الذكر وعند ذلك فقط سوف يصبح الوطن العربي قوة عظمى بل سيصبح القوة الأكبر في العالم ولعل هذه المرحلة الزمنية التي يعيشها هذا التشكل العالمي هي الفرصة السانحة والمواتية لإحداث ذلك التغيير فهل يتم ذلك؟.. والله من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store