Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

علي الحذيفي.. بعيدًا عن سيرته

A A
لن آتي بجديد حينما أُعرِّج على السيرة (العلمية والعملية) لفضيلة الشيخ الدكتور علي بن عبدالرحمن الحذيفي، إمام المسجد النبوي الشريف وخطيبه؛ كونها معلومة ومتداوَلة بين الناس، ولا تحتاج لمزيد أضواء. لذا أجد أنه من المناسب أن أُعرِّج على نقاط خارج سيرته، وهذه النقاط ربما أنها تشكِّل الفارق بينه وبين مجايليه وأقرانه وأمثاله من العلماء الأفاضل.

بدءًا، فالشيخ وُلد كما هو معلوم في قرية آل حُذيفة بقبيلة العوامر، التي تُشكِّل جزءًا مهمًّا من محافظتنا الغالية (محافظة العُرْضِيَّات) الواقعة أقصى جنوب منطقة مكة المكرمة، وقد نشأ كغيره من شباب المحافظة ولم تكن في محيطه القريب مدارس حكومية، وهو ما جعله يتجه لتعلُّم مبادئ القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم في كُتَّاب قريته؛ على يد شيخه الشيخ محمد بن إبراهيم الحذيفي العامري رحمه الله. من الأمور المعلومة عن الشيخ علي أنه تلقى تعليمه حتى نهاية المرحلة المتوسطة وذلك في المدرسة السلفية ببلجرشي، ثم درس في المعهد العلمي ببلجرشي، لكن الأمر الذي ربما يجهله الكثير من الناس هو طول المسافة الفاصلة بين قريته وبلجرشي ووعورتها؛ فقريته تقع في أغوار تهامة، في حين تتربع بلجرشي على قمم جبال السروات، ويفصل بين المكانين مسافة لا تقل عن (٥٠) كم وما هناك من طريق للسيارات وإنما يتم الصعود والنزول عبر المنحدرات الجبلية الحادة مشيًا على الأقدام، ولكُم أن تتصوروا جَلَدَ الطالبِ وشغفَه بالعلم -في زمن لا يعرف الناس قيمة العلمِ- وصبرَه في ذهابه وإيابه حتى ولو بصفة أسبوعية أو شهرية. كذلك من الأمور التي ربما يجهلها الكثير من الناس عن الشيخ؛ هو ما قيل عن بره بوالدته رحمها الله وملازمته لها، وقد ذُكِرت لي بعض الحكايات حول هذا الأمر لا يتسع المجال لذكرها، وربما لا يرغب الشيخ في عرضها. أيضًا من الأمور التي ربما يجهلها الكثير من الناس حجم التواضع الذي يتصف به الشيخ في أخلاقه وتعامله، وحديثه وسمته وملبسه، وهذا أمر يبدو جليًّا وواضحًا. والشيخ كذلك عادة ما يتوارى عن الأضواء، ولذلك عندما رأيت له -قبل فترة- تسجيلًا شفويًّا توثيقيًّا لسيرته العلمية والعملية استغربت أن يصدر منه ذلك، ولكن الشيخ بيَّن في مطلع التسجيل أنه كان يعتذر عن أمثال هذه التسجيلات، ولكن هذا التسجيل جاء تلبيةً لمبادرة سمو أمير المدينة المنورة ونائبه اللذين رغبا في التوثيق الشفوي لأهل المدينة المنورة.

ومما يُذكر عن تواضع الشيخ أنني زرتُه -قبل سنوات- ومجموعة من الزملاء في منزله بالعُرضيات، ولولا أننا نعرف صورته من قبل، لما عرفناه من بين الحاضرين؛ إذ لم يكن الشيخ في صدر مجلسه المتواضع، ولم يلبس ما يميزه عن غيره، ولم يكن متصدرًا الحديث، وليس هناك ما يشي بتميزه عن غيره.

ومن تواضعه أيضًا أن صورة له انتشرت قبل سنتين وهو يحمل (على رأسه) مطبوعات من المصحف الشريف لمراجعتها، ولم يعهد بحملها لأحد، ولم يضعها في كيس ويحمله بيده، وهي الصورة التي جعلتني أقول -حينَها- عنه هذه الأبيات:

في صدرِهِ حملَ الكتابَ فأزهرتْآياتُهُ في خُلْقِهِ وسِماتِهِ‏نَذرَ الحياةَ لرسْمِهِ وعُلُومِهِومضى يحبِّرُ آيَهُ بصلاتِهِ

‏شيخٌ لهُ سَمْتُ الصِّحَابِ سجيةٌ‏(هونًا) تَراهُ بمَشْيِهِ وثباتِهِوعليه؛ فالتواضع والزهد سِمَتان عزيزتان تميّزان الشيخ علي الحذيفي، ولذا فهما جديرتان بالبحث والاستقصاء والاقتداء.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store