Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
طارق علي فدعق

بومبــــــــا

A A
أصل العنوان يأتينا من كلمة «بومب» اللاتينية، بمعني قنبلة.. وموضوعنا عن التسيّب والتصرفات «الداشرة» في إدارة أقوى وأكبر القنابل، وهي القوة النووية.. ولنبدأ بالوحدات، فالكيلو جرام الواحد من متفجرات مركب «تي إن تي» يكفي لتفجير سيارة بحجم سيارة التويوتا «كامري». وكانت قوة القنبلة النووية التي دمرت 90 بالمائة من مدينة هيروشيما اليابانية في 6 أغسطس 1945 تعادل حوالى 13 ألف طن من تلك المتفجرات.. يعني ما يكفي لتدمير ثلاثة عشر مليون سيارة «كامري». وخلال حوالى خمس سنوات بعد تفجير القنبلة الذرية ، تم تطوير «أم القنابل»، أو ربما الأصح أن نُسمِّيها «حماة القنابل» النووية في أمريكا.. وربما كان هذا مصدر إيحاء للفيلم المصري الكوميدي الشهير للممثل الراحل «إسماعيل ياسين» باسم «حماتي قنبلة ذرية»، والتي تألقت فيه «ماري منيب» في دور الحماة «أم بطة».

تم تصميم وتصنيع تلك القنبلة العملاقة في سرية تامة، وأُطلق عليها اسم «كاسل برافو».. وبصراحة لا أعلم مصدر كلمة «برافو»، فهي من مصادر الخيبة الإنسانية والفنية أيضاً.. وقد تم تفجيرها بتاريخ 1 مارس 1954 كتجربة فوق مجموعة جزر صغيرة في «آخر الدنيا».. وتحديداً في المحيط الهادئ، في سلسلة جزر «مارشال» التابعة للإدارة الأمريكية. كانت قوتها المعلنة ما يُعادل خمسمائة مثل قوة قنبلة «هيروشيما».. دمار حوالى ستة آلاف وخمسمائة مليون وخمسمائة سيارة «كامري»، ولكن التفاعلات النووية عند انفجار القنبلة كانت أكثر من ضعف التصميم.. وقد غطَّت سحابتها المشعة ما يعادل المسافة من مطار الملك عبدالعزيز الدولي بجدة إلى مطار الحوية بالطائف، وارتفعت إلى ما يفوق الخمسين ألف قدم.. أعلى من مسارات الطائرات المدنية اليوم.. ودمرت جزيرة بأكملها، وعشرات القطع البحرية التي كانت في المنطقة، وحولت الليل إلى نهار في مناطق.. والنهار إلى ليل في مناطق أخرى.. ولكن نتائج التفجير كانت سرية ولم تعلن، إلا بعد مرور حوالي خمسين سنة على التجربة المخيفة.

وأما في أوروبا في نفس الفترة، فكانت هناك تجارب لأسلحة نووية مرعبة من نوع آخر.. تم تصميم برنامج للألغام النووية باسم «الطاووس الأزرق».. تخيّلوا أن البرنامج كان لزرع الألغام النووية في حفر موزعة على بعض الأراضي الأوروبية لمنع التقدم السوفيتي في حال اجتياح القوات الروسية لأوروبا.. وأُضيف طُرفة أغرب من الخيال هنا، أن بداخل غرف التحكم لتلك الألغام كان هناك برنامج لاستخدام الدجاج.. وهذا موضوع مقال قادم عن دور الدجاج الإستراتيجي في الحرب إن شاء الله.. فضلاً، تخيَّل هذا التفكير الغريب الساذج.. تفجير الأراضي الأوروبية وتلويث بيئتها بالإشعاع النووي لسنين، كآلية لردع القوات السوفيتية.

طيب، وما علاقة كل هذا بعنوان المقال؟.. في 16 أكتوبر 1961 قام الاتحاد السوفيتي بحركة رد اعتبار نووية مذهلة ضد الغرب.. حيث تم تفجير أكبر قنبلة في التاريخ واسمها «زار بومبا» بمعنى «إمبراطور القنابل»، فكانت قوتها خمسين ألف ميجا طن، أي ما يعادل 3800 مثل قوة القنبلة الذرية التي ضربت هيروشيما.. وما يكفي لتدمير حوالى خمسين بليون سيارة «كامري».. يعني كانت أقوى من «حماة القنابل»، وكانت رسالة للعالم أن سباق التسلح النووي هو فعلاً تصرفات «داشرة» غير لائقة بدول تدَّعي الرقي الإنساني والحضارة، فتم التوقيع على مجموعة اتفاقيات ومعاهدات نووية، ولكن أغلبها هي مجرد حبر على ورق.

* أمنيــــة:

إحدى أهم دول «الدواشر» النووية، والتي لم تُوقِّع على أي معاهدات ولا اتفاقيات، هي الكيان الصهيوني.. عندهم مئات الرؤوس النووية الجاهزة الموجهة نحو مجموعة من العواصم العربية، والله أعلم معايير إطلاقها علينا.. ولنعود إلى عنوان المقال، فكلمة «بومبا» لها معانٍ اجتماعية ترمز إلى مفهومي الفرقعة والنذالة، وهما يُمثِّلان الدقة في وصف الوضع النووي العالمي اليوم.. أتمنى أن تكون هناك صحوة عالمية في جدية ومعقولية الملفات النووية التي لا تزال تُمثِّل مخاطر كبيرة على الحضارة، والله يقينا شرورها.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store