Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. علي آل شرمة

الأسلوب الحضاري.. للرد على المسيئين

A A
بإصرار عجيب يتمسك المتطرفون في السويد والدنمرك باستفزاز المسلمين، وتعكير صفو الأمن في بعض الدول الإسلامية؛ بإقدامهم مرات أخرى على حرق نسخ من المصحف الشريف، ومحاولات تدنيسه والإساءة إليه، وهو ما تسبب في حالة غليان وأعمال عنف في بعض دول العالم، مثل العراق، حيث تم إحراق مبنى السفارة السويدية في بغداد، ومحاولة اقتحام الدنمركية.

هذه التصرفات الهوجاء التي لا زال المتطرفون في بعض الدول الغربية يتمسكون بالقيام بها؛ تنعكس سلباً على الدول العربية والإسلامية، وتتسبب في نشوب حالات عنف يروح ضحيتها كثير من الأبرياء، الذين يدفع بعضهم حياته ثمناً لمغامرات غير محسوبة العواقب، ورغم التنديد الدولي بهذه الأفعال المستهجنة، إلا أن من يقفون وراءها يصمّون آذانهم عن كل الدعوات المطالبة بالتعقل، وكأنهم لا يرضون بغير انتشار الفوضى والمظاهرات، وحالة عدم الاستقرار.

ومع أن حكومات بعض الدول الغربية تسارع إلى إدانة التعديات والتجاوزات بحق القرآن الكريم، وكافة الرموز الدينية المقدسة، وتدعو إلى العقلانية والهدوء، إلا أنها سرعان ما تقف ضد محاولات إقرار قوانين تمنع تلك التعديات، على غرار ما شاهدنا مؤخراً في اجتماعات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في دورته الثالثة والخمسين بجنيف، الذي عقد مؤخراً وأصدر قرار (مكافحة الكراهية الدينية التي تشكل تحريضاً على التمييز أو العداء أو العنف).

هذا القرار كان يمكن أن يصبح أساساً لإصدار قرارات دولية ملزمة، تطالب الدول بوضع تشريعات صريحة وقاطعة تمنع الإساءة لكافة الأديان، لكن المصالح الانتخابية والحزبية الضيقة دفعت الدول الغربية الكبرى إلى معارضة القرار، وذلك سعياً لكسب أصوات أتباع التيارات اليمينية المتطرفة التي تزداد انتشاراً في الغرب، والتي تطالب بترحيل المسلمين ومنع دخول المهاجرين واللاجئين.

الآن بات من الواضح أن تلك الدول لا تتحلى بحس المسؤولية، ولا ترغب إلا في استفزاز مشاعر المسلمين، ودفعهم إلى ارتكاب أعمال عنف، لتعيد ترديد مزاعمها بأن المسلمين هم أصل الإرهاب وسببه، بالرغم من أنه لم يقم مسلم في يوم الأيام بحرق الإنجيل أو التوراة، أو الإساءة لأي من الأنبياء والرسل، لأن هذا الدين العظيم يفرض على أتباعه احترام الأديان والكتب السماوية والإيمان برسلها، وهذا هو وجه الفرق بيننا وبينهم، فبينما نؤمن بموسى وعيسى - عليهما السلام - ونوقرهما، فإن المتطرفين يسارعون إلى الإساءة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولقرآننا ومقدساتنا.

ومع التقدير لمشاعر الحزن التي أصابت جميع المسلمين وهم يشاهدون نسخاً من كتابهم المقدس وهي تُحرَق بأيدي بعض الجهلاء، إلا أن ذلك لا يبرر أعمال العنف ولا يجد لها عذراً، فالقرآن محفوظ في صدور المؤمنين قبل أن يُطبع على الورق، والله سبحانه وتعالى تكفّل بحفظه وبقائه بقوله: «إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون»، ولن تناله أيدي الكارهين.

قد يتساءل القارئ العزيز عن الأسلوب الذي ينبغي أن نتبعه للرد على تلك التفاهات والتجاوزات، وهل يعني ما سبق أن نقف مكتوفي الأيدي ونحن نشاهد الآخرين يعتدون على مقدساتنا؟، والإجابة «لا» بطبيعة الحال، بل إن هنالك عملاً كبيراً ينتظرنا، وعلى كل منَّا أن يشارك فيه بمنتهى الفاعلية والنشاط.

بدءاً، فإنني أرى أن المظاهرات الحاشدة والمسيرات التي تصاحبها أعمال العنف والفوضى لن تفيدنا في شيء، بل على العكس، فإن لها نتائج سلبية، لأنها تعطي الآخرين الفرصة لوصمنا بالإرهاب والعنف، وارتكاب المزيد من التجاوزات والإساءات للدين الحنيف، وستغطي التصرفات غير المحسوبة النتائج على ما نتمتع به من وعي وأسلوب حضاري.

هنا يبرز المنهج النبوي الحكيم الذي يدعو لعدم رد الإساءة بمثلها، فالله تعالى يخاطب نبيه الكريم ويطمئنه عندما تعرض لإساءات الكفار بقوله: «إنا كفيناك المستهزئين»، لذلك فإن علينا أن نتمثَّل هذا النهج المسالم في التعامل مع من عميت بصائرهم.

ليس أمامنا سوى التمسك بالدعوة لهذا الدين الحق بالتي هي أحسن، وأن نظهر مقدار تمكسنا بإسلامنا ومحبتنا لنبينا - صلوات الله وسلامه عليه - باتباع نهجه، والسعي لنشر الرسالة ومبادئ الوسطية في جميع أنحاء العالم بأسلوب عصري وحضاري، نخاطب فيه الآخرين بالحسنى، ونجادلهم بالحجة، إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store