Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

جدلية الجامعة.. وسوق العمل!

A A
شكَّلت الجامعة وسوق العمل جدلية غدت مدار حديث المجالس والندوات والمؤتمرات، وغدت هاجسًا للشباب الذين يحملون شهادات جامعية، وما يزالون على رصيف الانتظار دون مهنة أو عمل، ولذا فإن أصابع الاتهام سرعان ما تتجه للجامعة، بوصفها السبب في هذا الانتظار والتعطيل للشباب؛ كونها منحتهم شهادات؛ لا يتطلبها سوق العمل، مع أنني أرى مهمة الجامعة ينبغي ألا تُحصر فقط في تلبية متطلبات السوق؛ فالجامعة لها مهام تعليمية وتثقيفية وتنويرية هي الركيزة الأولى التي قامت لأجلها. وقد سُئلت عن هذه المسألة وشاركت بهذا الرأي الذي أعرضه هنا بشيء من التفصيل. في البدء يرتسم أمامنا هذا السؤال: هل التعليم في البلدان العربية والإسلامية أرقى وأجود من تعليمنا، ولذا لا نجد لديهم مهنًا وحرفًا تفتقر لمن يشغلها من الباحثين عن العمل من أبناء تلك البلدان، كما هو حاصل لدينا؟، الواقع أن التعليم لدى تلك الدول لا يحظى بما يحظى به تعليمنا، ولا تتوافر للتعليم والمتعلمين الإمكانات التي تتوافر لتعليمنا ومتعلمينا، فكيف توافر لتلك البلدان هذا الكم من الباحثين عن العمل، حتى إنهم لم تسعهم فرص العمل في بلدانهم، فشغلوا فرص العمل لدينا؟، هل يعود ذلك إذن لعدم وجود انفصال بين تعليمهم وسوق العمل؛ كونه - أي تعليمهم- يركز على تخصصات تصب مخرجاتها في صالح سوق العمل؟، لا أجزم بتركيز تعليمهم على تخصصات يتطلبها سوق العمل، ولا أظنه في غالبية تلك البلدان بهذه الصورة، ثم إننا إذا حققنا مطلب التخصصات، وأوجدنا كمًّا وافرًا من الخريجين الجامعيين الذين يحملون شهادات تُخوِّلهم ممارسة تخصصاتهم، وسد احتياج سوق العمل، فإننا مع هذا نجد اليوم بأن بعض شركات القطاع الخاص أصبحت لا تضع اعتبارًا للشهادة مهما علت درجتها وتقديرها، وإنما تضع الاعتبار الأول للخبرة وإتقان المهارة. من هذا، فلا أرى العلة تكمن في ندرة الخريجين، ولا في ندرة التخصصات المطلوبة لسوق العمل، وإنما أراها تكمن في أمور: الأمر الأول- في الاشتراطات التي تضعها بعض المؤسسات وشركات القطاع الخاص لقبول الباحثين عن العمل، ومنها شرطاً (الخبرة والإتقان)، وأنَّى لخريج جديد أن يحصِّل هذين الشرطين؟..
الأمر الثاني- سيطرة الوافد على كثير من مفاصل الشركات، وسعيه لتحييد السعودي.. الأمر الأخير- وهو الأهم- عزوف الكثير من أبناء الوطن عن الكثير من المهن والأعمال التي تتطلب الكثير من الجهد والمشقة؛ طلباً منهم للراحة، وخوفاً من النقد الاجتماعي، وبحثاً عن مهنة تتطلب جهداً أقل، وتوفر مرتباً أعلى. ولذا ينبغي الانتباه إلى أن هذه النقطة بالذات هي التي تشكل المساحة الأكبر في إشكالية سوق العمل، وهي التي لا تتطلب تأهيلا جامعياً وشهادات تخصصية، التأهيل المطلوب هو الحاجة والرغبة وإزاحة العيب الاجتماعي؛ بدلالة أن ممتهني كثير من المهن هم من العمالة الأجنبية، وأكثرهم لم يدلف من بوابة الجامعة، ولم يسمع بالتخصصات التي تناسب سوق العمل، وأقصى ما حصله ربما شهادة المرحلة الابتدائية، وهذا لا يعفى الجامعات من الاهتمام بالتخصصات التي يتطلبها سوق العمل، وتتطلبها احتياجات المستقبل. ثم يأتي سؤال قلِق حول الأمان الوظيفي للمنتمين لهذه المهن والأعمال، وهل تضمن الشركات لموظفيها هذا الأمان؟، هذا لا أظنه يتحقق لموظفي القطاع الخاص؛ إلا بوجود ضمانات واضحة وصريحة يلتزم بها الطرفان، (القطاع الخاص والباحث عن العمل)، تحت إشراف مباشر من الجهات المسؤولة.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store