Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد عجب

«احنا مرقينه سوا»!

A A
تقول الحكاية: كان لأخوين فقيرين (حمار) يساعدهما على حمل البضائع وقضاء الحوائج، ومن كثر ما أحباه اعتبراه من أفراد العائلة، وأطلقا عليه اسم "أبو الصبر"، وبينما كانا بسفر يقطعان الصحراء، وقع الحمار ومات، فحزنا عليه حزنًا شديداً، وقاما بدفنه بشكل لائق، وظلا بجوار مدفنه يبكيان، حتى أن كل من مر عليهما وسألهما عن سبب الحزن يخبرانه بموت "أبو الصبر"، فتعاطف الناس معهم، وظلوا يشاركونهم البكاء، ظنًا منهم أنه علامة أو شيخ جليل!!

استغل الأخوان ذلك، وقاما بإنشاء خيمة على مدفنه، ويوم تلو الآخر ازداد إقبال الناس وكثرت تبرعاتهم له، فقاما باستبدال الخيمة بحجرة، حتى أصبح مدفن "أبو الصبر" مزاراً يقصده الناس لفك السحر، التزويج، والشفاء، وبات الجميع يتحدث عن كراماته، وذات مرة تشاجر الأخوان على النقود، فقال أحدهما: "سأطلب من الشيخ أبو الصبر أن ينتقم منك"، فضحك الآخر وهو يشير إلى مدفنه قائلاً: "أي شيخ.. احنا دافنينه سوا"!!

قد يعول ذلك الاستغلال البدائي، بتقديس الشخوص الفانية، بالزمن البعيد، للجهل المطبق، شغف العيش، شح موارد الناس، انعدام الوسائل التقنية والجهات الرقابية، لكن كيف لنا أن نبرره بزمننا الحاضر، مع توافر الإمكانات التكنولوجية والثورة التقنية، كي يتم تعظيم وتبجيل ضريح اليد العاملة الأجنبية غير المنتجة، على حساب الكفاءات الوطنية المؤثرة والمتطلعة!!

حدث ذلك بزمننا -مع حفظ المقامات- حين نشأت أغلب الشركات على يد أخوين من رجال الأعمال، أوهمونا باعتمادهم على ذلك الوافد في تسيير الأمور التجارية "حسناً" والذي تم استقدامه منذ زمن حين كانت العمالة الوطنية والنهضة الحضارية في بداياتها، ولجلده وحنيته الظاهرة عليهم، نشأت محبة بينهم، سرعان ما استغلها باستنزافهما، وخلق المكائد لكل من يحاول كسب ثقتهما، أو التقرب منهما، وحين كبر ذلك الوافد وتوفي أو تم ترحيله، أقيم على ضريح ذكراه مزاراً توارثته الأجيال -جيلاً بعد جيل- أطلق عليه مسمى (المشرف الأجنبي)!!

استغل رجال الأعمال ذلك، حين كرسوا ودعموا تعظيم وظيفة (المشرف الأجنبي) حتى منحوه تلك الهالة والنرجسية، وتلك الرواتب الضخمة والبدلات والعمولات العالية، ما جعل صغار الموظفين، يقصدونه طلباً لكرامته في زيادة الراتب، أو فك الفصل التعسفي، أو جلب العلاوة والترقية، ظناً منهم بأنه العقل المدبر للشركة، وبركة نجاحها، حتى إذا ما هددوا بمكانته أحد القياديين لتسريحه، ممن وقفوا على مجاملته، وإصدار قرارات الترقية المشبوهة لأجله، رد بسخرية لاذعة؛ (لا يا شيخ.. احنا "مرقينه" سوا)!!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store