Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سعود كاتب

لماذا قوتنا الناعمة يتيمة؟!

A A
في لقاء سابقٍ لي مع إحدى قنواتنا التلفزيونية، قلتُ إن «قوتنا الناعمة يتيمة لا أب لها»، وبدا لي حينها من ردة فعل المذيعة التي تجري اللقاء بأنها كانت مندهشة من عبارتي تلك، ولم تكن تتوقعها، خاصة أنها جاءت بعد فاصل طويل تحدثتُ لها فيه بإعجاب شديد وثناء مستحق عن صحوة قوتنا الناعمة وعودة الحياة إليها؛ بعد غياب طويل لقرابة أربعة عقود، وواقع الأمر أنه مثلما كانت المذيعة مندهشة من وصفي لقوتنا الناعمة باليُتم، فقد كنت أنا نفسي مندهشًا من اندهاشها، لأن رأيي هذا ليس جديدًا أبدًا، فهو أمر بديهي لم أتوقف عن ترديده منذ سنوات في كل مناسبة بِصيغٍ مختلفة، وسأقوم بتوضيحه مجدداً في مقالي هذا لأهميته.

فنظراً لأن ممارسة وتوظيف الدول لمصادر قوتها الناعمة لا يقتصر على جهة واحدة، بل جهات عديدة مختلفة، يمكن أن تشمل السياسة والثقافة والإعلام؛ والسياحة والرياضة والتعليم والترفيه، وغيرها، فإن تلك الممارسة وذلك التوظيف ينبغي أن يقوم منذ بداياته على عمل مؤسسي يضُمُ بالضرورة خمس حلقات متكاملة ومتناغمة هي:

1- الحلقة الأولى والأهم، وهي الهيئة الوطنية للدبلوماسية العامة.

2- وكالة وزارة الخارجية للدبلوماسية العامة.

3- الجهات الحكومية الأخرى المعنية.

4- الجامعات ومراكز الفكر والدراسات.

5- المنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص.

وتكمن أهمية الحلقة الأولى (غير الموجودة لدينا حتى اليوم)؛ بكونها بمثابة (الأب) لجميع الحلقات الأخرى، أو كما سبق لي تشبيهها بأنها «المايسترو» الذي يقود الأوركسترا، ويضمن تناغم إيقاعها الصحيح في الوقت الصحيح دون نشاز، فالمهمة الأساسية للهيئة ليست «العزف»، بل قيادة الجهود وضمان تناسقها تحت مظلة واحدة، ووفقاً لرؤية واستراتيجية واحدة، تحول دون أي ازدواجية وهدر وتعارض رسائل (نشاز).. وتتضمن مهامها ما يلي:

1- تأسيس مجلس يتكون من أعضاء من كافة الجهات المعنية، ويشمل ذلك بجانب الجهات الحكومية ذات العلاقة، كلاً من: مسك، مركز الملك سلمان للإغاثة، مجلس الغرف التجارية، وممثل أو اثنين لأهم وسائل الإعلام السعودية.

2- القيام بوضع استراتيجية وطنية للقوة الناعمة، تتضمن رؤية وأهداف واضحة قابلة للقياس، وآليات للتنفيذ والمتابعة وتقييم الأداء، هذه الاستراتيجية الوطنية تعتبر دليلاً تسترشد به الجهات عند وضعها لخططها وتنفيذها لأنشطتها.

3- تنسيق عمليات «الدعم» advocacy التي يقوم بها الدبلوماسيون والمسؤولون لمساندة أنشطة الإعلام الخارجي؛ وتحقيق أهداف السياسة الخارجية.

4- تعزيز سمعة المملكة وصورتها بالتركيز على العلامات الوطنية الأساسية، والتدخل السريع لعلاج أي قصور أو مؤثرات سلبية يمكن أن تسيء إليها.

5- الإشراف على متابعة قيام كل جهة بالتنفيذ الجزئي والكلي للخطة الاستراتيجية، وتقييم الأداء والتطوير المستمر.

6- ضمان مناسبة مبادرات ونشاطات الجهات المختلفة، ودراسة تأثيراتها وانعكاساتها المحتملة محليًا وإقليميًا ودوليًا.

7- مراجعة الأنظمة والقوانين والممارسات المحلية التي تؤثر على صورة المملكة في الخارج، واقتراح الحلول لها.

وحتى يتم تأسيس تلك الهيئة، سوف تظل قوتنا الناعمة يتيمة بلا أب، بكل ما لذلك من تبعات ونتائج.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store