Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. صالح عبدالعزيز الكريّم

تنعم بالديباج والحل والحلل!!

A A
البعض يعيش في النعمة والترف والحلي والحياة الناعمة، لكنه لم يتعلم ويحتك ويتبين النواحي العلمية والحياتية، وليس له رصيد من الثقافة والفهم والعلم فهذا يتحقق فيه قوله تعالى (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) أي عند المخاصمة لا يستطيع أن يكون حديثه وبيانه ودفاعه واضحًا أو بيّنًا، ولعله يندرج تحت هذا المفهوم كل من الذكر والأنثى وإن كان البعض يرى ذلك خاص بالأنثى على اعتبار أن الآية جاءت في سياق ما له علاقة بالمرأة، والحقيقة أن الانغماس الكلي في الترف وأن الطفل منذ نشأته يكون محاطًا بالنعم والنعيم لدرجة لا مجال في حياته أن يعرف حتى مصدر هذه النعم ولا أهمية قدرها وكيف تصل إليه ولا حتى يدرك أنها تحتاج إلى شكر المنعم سبحانه أو شكر من جلبها له بعد الله، كل ذلك يظهر في المستقبل في بطره لها وعدم تقديره لمكانتها في النفس، وهذا ما نلمسه اليوم عند البعض من تبذير وإسراف ووضع الأمور المالية في ما لا تستحقه وهو ما يعبر عنه بالإسراف وهو من الذين لا يحبهم الله كما قال تعالى (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)، والإسراف منهي عنه حتى في الأكل والشرب لأن الإسراف في الأكل باب لمرض السمنة التي أخذت ترتفع نسبتها في الخليج وعلى الخصوص في المملكة خاصة عند صغار السن ولعل انتشار المطاعم والأكلات السريعة غير الصحية دليل واضح على ظاهرة الإسراف في الطعام وإني لأعجب من العائلة الواحدة كيف في المطعم يطلب كل فرد فيها طلبًا رئيسًا له مما يضطره إلى أكله كله أو تركه فإن أكله أصبح تعوُّدًا له في طعامه وشرابه، فيختزن الطعام وتظهر عليه السمنة التي هي إيذان بحلول الأمراض المزمنة مثل السكري والضغط وأمراض القلب، ممكن أن يكون هناك دلال وسفريات والتنعم بالديباج والحل والحلل دونما أن يصاحب ذلك إسراف في الأكل ودون أن يكون هناك تتابع بوفود يومية من الدليفري إلى البيت والأكل مما هب ودب لتغزو السمنة بعد ذلك أهل البيت صغيرهم وكبيرهم.
إن التنعم بالأكل والشرب مطلوب ومباح لكن المنهي عنه الإسراف والتعدي على الصحة وعافية البدن بإرهاق الجهاز الهضمي وتوابعه، فالصحة غالية والأمراض خاصة المزمنة منها عبء على جسم الإنسان ومن هنا يجب أن تكون المدارس ذات دور فعال وثقافي وتوعوي في فهم أنماط الحياة ودورها في الحفاظ على الصحة وأن تقود إدارات التعليم عبر توجيهاتها حملة لذلك، وأن يكون لديها برامج رياضية مكثفة لتحريك الأبدان ونفض السمنة عن أجسام الأبناء والبنات، يكفي أن الأبناء والبنات يجدون دلعًا وينعمون بالديباج والحل والحلل في منازلهم وهذا لا يمنحهم عافية ولا نجاة من الأمراض، فمستقبل هذا الجيل الذي ينغمس بالنعمة والترف والإسراف في كل شيء خاصة الطعام والشراب صعب في عدم قدرته على مواجهة الخصوم والأعداء لا من خلال حديثه ومنطقه ولا من خلال جسمه وبدنه فالتآكل قد نهش نفسه وروحه بالتنعم ونهش جسمه وبدنه بالسمنة فهو غير مبين ولا قادر على مواجهة معطيات الحياة.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store