Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عبدالله الجميلي

دفع ثروته.. ثمناً لكأس من الماء!

A A
* ذات سفر إلى (القاهرة)، وأثناء تجوالي ليلاً في أحد ميادينها، استوقفني مشهد؛ منه اختنقت عيناي بدموعها؛ فالمكان مزدحم بأصناف البشر، والعيون إليه تسابق النظر، والأصوات مرتفعة حوله، رغم قرب وقت السحر، أما هو فكان في عالم آخر من دنياه، إني أنظر إليه الآن، شاب ينام على الرصيف، لا يفصل بينه وبين جسمه الهزيل؛ إلا قطعة من كرتون خفيف!!.

*****

* البراءة تكسو محياه، إنه مستغرق في نومه، وشخيره يملأ أنفه وفاه، وربما لا يملك من دنياه إلا متعة نومته تلك، التي قد يكون استسلم لها محروماً من عشاه، نظرتُ إليه طويلاً، وتعجبت كيف يغرق هذا في نومه، وفراشه الفقر والشقاء، ولحافه الضوضاء؛ بينما هناك من يملك المليارات من الدولارات أو الريالات، ومئات الأراضي والبنايات؛ ولكنه لا ينام إلا بجرعة من الحبوب المسكنات!.

*****

* أعتقد أن السبب راحة باله، وأنه لا يحمل في قلبه حقدًا ولا حسدًا، ولأنه بات ولم يظلم أحداً، سر هدوء نفس ذلك الرجل كونه خارج حلبة السباق على جمع المال؛ فلا يهمه في شيء، فما يبحث عنه مجرد لقيمات ليومه، ولأنه كذلك في منأى عن دوائر القيل والقال!!.

*****

* صورة ذلك الفتى التي لا تفارق ذاكرتي؛ تؤكد أنه مهما تعالى الجاه، وكثر المال؛ فالسكينة والسعادة معهما، قد تكونان بعيدتا المنال؛ فصادقة تلك الأقصوصة الأسطورية التي تقول: إن رجلا دفع ثروته الكبيرة في كأس صغير من الماء؛ إذ قدم نصفها ثمناً له عندما أصابه العطش؛ ثم بعيد ساعات اضطر لدفع باقيها لطبيب يخلصه من احتباس ذلك الماء الذي شربه في جسده!!.

*****

* حال ذاك الشاب وهدوء نفسه، رغم معاناته استحضرها دائماً في زمن أصبح فيه اللهاث وراء الدرهم والدينار هو الهدف والأساس، مهما كانت الوسيلة، وحتى لو كان الثمن خسارة أعز وأقرب الناس؛ وسكينة ذلك الفتى أراها تنادينا لنجعل القناعة عنواناً لنا، ولكي نعيد النظر في علاقتنا بغيرنا؛ بحيث نفتح صفحات جديدة من تعاملاتنا، ذات بناء متين من الود والنقاء، وأن نسعى دائماً في الخير؛ فصدقوني سعادة الإنسان تتلبَّسه ولا تفارقه؛ إذا أخلص في مساعدة الآخرين، ونشط في زرع الابتسامة داخل أرواحهم؛ فالدين كان وسيبقى المعاملة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store