Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد عجب

القرض المؤبد!

A A
يقول أحد البسطاء: من الأشياء الجميلة، التي أسهمت في بناء وتشكيل حياتي العملية والشخصية، وأسهمت في قدرتي على تحديد أهدافي وتحقيق غاياتي، هو (صندق التوفير والادخار)، الذي كانت تعتمده تلك الشركة الكبرى التي عملت بها 15 سنة، حيث كان يستقطع من الراتب الشهري قرابة ٥٠٠ ريال، ليسمح لك بالاقتراض من 4-8 رواتب، تسددها بأقساط ميسرة دون فوائد ربوية، وبمجرد الوفاء به، يمكنك طلب قرض جديد بعيداً عن هواجس الأعباء الإضافية.

مشكلة الجهات العملية، أنها تعامل موظفيها بمبدأ الاستعباد وفرض السيطرة، من خلال إنفاذ أنظمة حضور وانصراف صارمة، وكأنهم لا يزالون طلبة بالمرحلة الثانوية، وليسوا عائلين لأسر كاملة، حتى كرست بنفوسهم الغل والضغينة، وكان بإمكانها احتوائهم بتلمس همومهم وسد احتياجاتهم، مما سينعكس إيجاباً على زيادة رضاهم وولائهم، على الاحتفاظ بالكوادر الوطنية عالية الكفاءة، على تعزيز أدوارها الاجتماعية ومكانتها السوقية.

لقد عنست الفلل والشقق السكنية الجاهزة، وفاتها قطار البيع والشراء، بفعل تعنت وليها (البنك) ومغالاته بمهرها، حيث بلغت معدلات فائدة الإقراض 5.8% مقتربة من الـ6%، وتساوت أرباح الفائدة مع قيمة العقار الحقيقية، لقد عنست الفلل والشقق السكنية الجاهزة، حين ترك المواطن وحيداً بوجه المبايعة الظالمة، ليلبس البيعة، ويحكم عليه بـ(القرض المؤبد)، الذي يقيد بالأغلال مصاريف معيشته، ويفني زهرة عمره وشبابه خلف قضبان الأقساط الفولاذية!!

حين تتأزم الأمور المادية على تلك السيدة الأربعينية، تقوم جارتها الأمية على الفور بابتكار فكرة إنشاء جمعية بينها وبين صاحباتها وأخواتها وأولادهم، فتقبضها أولًا وتسد حاجتها، حين يقترب زواج أحد الزملاء بالعمل يهرع ذلك الموظف الشهم ذو الدخل المحدود لجمع القطه ليقدمها (رفد) لعريس الليلة، حين يقع حادث شنيع لأحد أبناء القرية أو الحارة تسارع لحمته وأبناء عمومته بجمع معونة مالية تغطي خسارته وتجبر كسره وتطيب خاطرة.

لكن حين يفكر موظف بتأمين منزل العمر فإن جهة عمله رغم كوادرها الإدارية والاستشارية، تقف على حياد عاجزة عن خلق فكرة منتجة أو خدمة ناجعة، عدا تقديم (خطاب تعريف بالراتب)، عدا تصيد مخالفاته المتعلقة بمواعيد العمل وهو يراجع أوراق المبايعة، عدا تعهد بضمان استقطاع الأقساط البنكية، أما أنها تساهم بسداد ولو قيمة بسيطة، أو تضع حلول بديلة، تذلل أو تسهل طريقة تنفيذ فكرة الموظف المصيرية، فهذا من سابع الأشياء المستحيلة.

لذلك فإن حل مشاكل أنانية وبخل وفوقية الجهات العملية تجاه موظفيها، يكمن بفرض إنشاء (صندوق التوفير والادخار)، تكون مساهمة المنشأة فيه إجبارية واستفادة الموظف منه اختيارية، على أن تكون أقساطه ميسرة دون أي فوائد ربوية، حينها ستنحل عنوسة الفلل والشقق السكنية الجاهزة، وستنخفض فائدة الإقراض لأدنى مستوياتها 1.5%، وقد تنتهي من عالمنا ظاهرة: البطالة، التسرب الوظيفي، (القرض المؤبد)، إيقاف الخدمات، الضغوط النفسية والمشاكل الأسرية!!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store