Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. صالح عبدالعزيز الكريّم

لماذا استقال رئيس جامعة ستانفورد؟!

A A
بسبب الفساد الأكاديمي والغش البحثي وتزوير النتائج والتلاعب في البحوث العلمية، قدَّم رئيس جامعة ستانفورد - وهي من أرفع الجامعات في الولايات المتحدة الأمريكية - الدكتور مارك تيسييه لافين استقالته، والقول الأرجح في شأنه، أنه إن كان هو من تعمَّد ذلك الغش ورضي به، فتلك مصيبة، وإن كان خلفها طلاب وباحثون مساعدون، فالمصيبة أهون عليه، ولكنها أعظم على الجامعة نفسها أن يكون باحثوها ممن يتلاعبون في البحوث العلمية، وهو أكبر مسؤول فيها، وذلك يقع تحت مسؤوليته بصفته رئيساً للجامعة، وكما ذكر أنه قدَّم استقالته احتراماً للجامعة التي تلوثت سمعتها، ولعل ذكر اسم جامعة ستانفورد، يُذكِّر بالوهج والفقاعة التي فرح بها بعض الباحثين في العالم العربي؛ عندما خرجوا لنا بما يُعرف بأسماء الباحثين الذين أخرجت لهم جامعة ستانفورد فكرة "نسبة الاستشهاد في البحوث ٢%"، ومن شدة الفرحة والزهو، صدَّق بعضهم نفسه أنه من العلماء العظام والباحثين العالميين، حتى نسوا أنهم يتبعون جامعاتهم، وذهبوا ليذكروا أنهم يتبعون جامعة ستانفورد، وألبسوا على الوسط الجامعي بذلك، وهم ليس لهم أي علاقة بها، ولم تقم الجامعة بتقييم أبحاثهم، ولا تعرف عنها أو عنهم شيئاً، إنما هي عملية إحصائية قام بها طالب في الإحصاء، تكتنفها نواقص في المعلومات.. وأياً كان، فإن الذي أوقع رئيس الجامعة في فخ التلاعب في النتائج، هو الناحية الإحصائية لذات القسم صاحب الـ٢٪ في الاستشهاد، مع العلم أن بعض تلك البحوث نُشر في مجلات عالمية مثل الـ Natur والـ Science.

إن المشكلة الكبيرة في عالم الباحثين في عالمنا العربي اليوم، هي ذات المشكلة التي وقع بها رئيس جامعة ستانفورد، وهي ما يقوم به القليل من الباحثين من فبركة النتائج، أو نقلها من أبحاث سابقة، أو عدم النزاهة في استخدام تقنياتها بصورةٍ غير صحيحة، وهذا يقع من بعض الباحثين وبعض أساتذة الجامعات وبعض طلاب وطالبات الدراسات العليا - وإن كانوا قلة قليلة إلا أنها من الملوثات - بسبب الاستعجال، ورغبةً في النشر السريع، للحصول على الترقية، أو الحصول على الدرجة لطلاب الدكتوراة، لذلك أقترح على كل من عمادتي الدراسات العليا والبحث العلمي والأقسام العلمية، إعطاء دورة في أخلاقيات البحث العلمي والنزاهة الأكاديمية، مع الأخذ في الاعتبار مفهوم النزاهة في البحث العلمي، لأنه مفهوم دقيق، وقد شرحت ذلك بتوسُّع في مقال لي بعنوان: (مفهوم النزاهة في البحث العلمي)، وهو أمر مهم استيعابه والرجوع إليه.

إن مَن لديهم مصداقية أن يكونوا باحثين متميزين وعالميين في عالمنا العربي كثير، إلا أنه بسبب ما يُواجههم من معوقات، تجعل عزيمتهم للبحث العلمي تضعف أو تتلمَّس الطريق للنشر بأي صورةٍ لتحقيق الترقية.. وقد ذكرتُ سابقاً ضرورة وضع نظام خاص بالترقية، يفصل بين الترقية الإدارية المالية، والترقية البحثية، لأن المهم عند أغلب أساتذة الجامعات هو الترقية، وتجد بعض الدكاترة والدكتورات الجُدد ينشرون بحوثاً ليس لهم فيها أي جهد سوى دفع مبلغ من المال نظير تكاليف النشر، ولا يكفي طبعاً أن يشارك في البحث من خلال دفع تكاليف النشر، لأن ذلك غير أخلاقي.. مع العلم أن أمر المشاركة سهل جداً، إما أن تشارك في فكرة البحث أو تجاربه وتقنياته، أو قراءة ومراجعة محتواه، أو أي شيء ينم عن التعاون والمشاركة، كالإشراف العملي أو النظري.

ثمة مشكلة كبرى في جامعاتنا، وهي بعد حصول الأساتذة على الترقية، خاصة مرتبة أستاذ (بروفيسور)، لا تجد مَن يستمر في البحث العلمي، حيث تبدأ القطيعة، ويرمي الباحث خلفه معمله وكل ما له علاقة بالبحث العلمي، ويتوقف تماماً عن البحث العلمي، حتى عن الإشراف على الدراسات العليا، إلا من رحم الله من أصحاب الهمم العالية، وقليل ما هم، لذلك تغيب ظاهرة المدارس البحثية.

أعود إلى فضيحة رئيس جامعة ستانفورد، لتوضيح أن السبب كان إحدى الأوراق العلمية عن الإحصاء البيولوجي، حيث اكتشفوا فيها تلاعباً كبيراً، رغم أنه تم الاستشهاد بها ٨٠٠ مرة (تعتبر عالية الاستشهاد)، ثم تبيَّن تورطه في بحوثٍ أخرى.. وهنا أقول: إنه مع أهمية النشر الكثير والاستشهاد الكثير، إلا أن النزاهة العلمية والأمانة البحثية أهم منهما كثيراً، فيجب عدم الاستعجال في قطف الثمرة أو البحث عن الشهرة، مع ضرورة بقاء الشغف والتحفيز المادي والإداري، لأنهم من أكبر الحاثات للعطاء والاستمرار والإبداع.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store