Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. بكري معتوق عساس

إننا نحترم التعليم.. لأنه يعلمنا (الأخلاق)!!

A A
إن أعظم تغيير وقع في تاريخ البشرية بعد عصري (الزراعة) و (الصناعة)، تمثَّل في عصر ثورة التكنولوجيا فائقة التطور، وما نجم عنها من ثورة في المعلوماتية والاتصالات. لقد باتت (المعلومات) و(المعرفة) هما المورد الاستراتيجي الجديد، والأساسي، في الحياة الاقتصادية حالياً.

فبعدما كانت (الأرض) والعمل (الجسدي) هما المورد الرئيسي للثروة في عصر (الزراعة)، ثم أصبح رأس (المال) و(الآلة) هما المولِّد الرئيسي لهذه الثروة في العصر (الصناعي)، أصبحت (المعرفة) هي عنصر الإنتاج الرئيسي في عصرنا الحالي، فغدا إنتاج (المعرفة) و(استثمارها) وتداولها، مصدر الثروة والتنمية المستدامة، وأضحت المعرفة عبارة عن نوع جديد من رأس المال يقوم على الأفكار فائقة الفعالية.

إنها تجسد رأس المال المعرفي الذي يُعتبر أكثر أهمية في الاقتصاد الحديث من رأس المال المادي، فالثروة الحقيقية للأمم تكمن اليوم في عقول أبنائها ومخرجاتها المعرفية، قبل الثروات المادية.

إن السمة الرئيسية لهذه المرحلة، هي أن النظرية صارت تسبق التطبيق، فتسارعت بصورة هائلة عملية تجسيد الاكتشافات النظرية في سلع وخدمات ذات محتوى معرفي، وقصرت إلى الحدود الدنيا دورة حياة السلعة، من الابتكار إلى الإنتاج والتسويق ثم الأفول، لتحل مكانها سلعة جديدة ذات محتوى معرفي أكثر حداثة،كل ذلك في فترة زمنية قياسية لا تزيد عن بضعة أشهر.

وتنفق الجامعات في دول العالم الأول حالياً أموالاً طائلة على البحث العلمي، الذي أصبح اليوم أشبه بمورد مالي غير قابل للنضوب، وغدت عائداته وجدوى الاستثمار فيه لا تضاهى.

فإذا كان الاقتصاد بمفهومه التقليدي هو اقتصاد الندرة، أي ندرة الموارد مقابل التطوُّر اللامحدود لحاجات الناس ومتطلباتهم، فإن الاقتصاد المعرفي هو اقتصاد الوفرة.

إنه ذاك الاقتصاد الذي تجري فيه عملية إنتاج المعرفة وتجديدها وتداولها ونشرها واستخدامها.

فمع تطوُّر المعرفة، من حيث هي لا تُستنفد، بل تتوالد ذاتيًا بالاستهلاك. إن ثمة فوارق جوهرية بين (الاقتصاد المعرفي) و(الاقتصاد التقليدي) تتجلى بالدرجة الأولى، في كون المعرفة والمعلومات، خلافًا للموارد الأخرى الكثيرة، لا تتناقص مع استخدامها، كما أنها لا تغير شكلها. إضافة إلى ذلك، فإن المعارف لا قيود على حركتها، فهي تنتقل بسهولة ومن دون عوائق عبر الحدود.

ففي حال ظهور معرفة جديدة في منطقة، فإنها تنتشر خلال فترة وجيزة في مختلف أنحاء العالم، ويصبح استخدامها متاحًا في الوقت عينه للجميع.

استناداً إلى ما تقدم، يمكن القول بأن من أهم خصائص الاقتصاد المعرفي توظيف العلم والتكنولوجيا على نحو متعاظم ومستمر في ميادين الاقتصاد كافة، ودور المعرفة كعامل حاسم في عملية الإنتاج.

فقد حلَّت هذه المعرفة في المكان الأول محل رأس المال، وغدت المصدر الرئيسي للنمو، وباتت تستثمر كعنصر أساسي لتعزيز الميزة التنافسية للشركات والبلدان.

لا يمكن حدوث ذلك إلا إذا توفر (تعليم جيد) و(منهج تعليمي جيد) و(معلم جيد)، واستند في ذلك على الحكمة القديمة القائلة: «إننا نحترم التعليم.. لأنه يعلمنا الأخلاق».

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store