Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

مخلفات الحمام.. مَن يرفع الضرر؟

A A
«ليست هناك خصوصية لحَمَام مكة، ولا لحمام المدينة، سوى أنه لا يصاد ولا ينفر ما دام في حدود الحرم لعموم حديث: (إن الله حرَّم مكة فلم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي، وإنما أُحلت لي ساعة من نهار، لا يختلى خلاها ولا يعضد شجرها ولا ينفر صيدها)، والحديث رواه البخاري، وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن إبراهيم حرَّم مكة، وإني حرَّمت المدينة ما بين لابتيها لا يقطع عضاها [عضاهها] ولا يصاد صيدها)، رواه مسلم».

هكذا أجاب الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- عن خصوصية حمام مكة والمدينة، ومن إجابته نستشف أن المنع -كما نص عليه الحديث الشريف- يتعلق بالاصطياد والتنفير لحمام الحرمين الشريفين، وما عدا ذلك فلا إشكال فيه ولا مانع يحول دونه. مناسبة الحديث عن حمام الحرمين هو ما يشاهده قاصدو الحرمين من تزايد أعداد الحمام في الحرمين، وقيام بعض القاصدين بشراء كميات من الحبوب المغذية ونثرها للحمام في ساحات الحرمين. النقطة الغائبة في قضية شراء الحبوب المغذية ونثرها في ساحات الحرمين، هي في أولئك الذين يقومون على توفير تلك الحبوب وبيعها على قاصدي الحرمين، وإغرائهم بالأجر والمثوبة، ولو أن القاصدين لم يجدوا تلك الإغراءات لما أجهدوا أنفسهم في جلب الحبوب معهم للحرمين الشريفين.

الإشكالية الأكبر في قضية تزايد الحمام ونثر الحبوب تتمثل في ما يترتب على هذا النثر المتزايد والعشوائي لكل مَن رغب في ذلك، بحجة الأجر والمثوبة؛ حيث يترتب عليه زيادة مخلَّفات الحمام وتطاير أرياشها، وتناثر أجزاء الحبوب في ساحات الحرمين، وبالتالي زيادة الجهد في عملية التنظيف للساحات، يُضاف إلى ذلك أن الداخلين للحرمين الشريفين يدوسون بأقدامهم تلك المخلفات والأرياش وأجزاء الحبوب، وهو ما يجعلها تَعْلَق بها وتصل إلى داخل الحرمين الشريفين، ما يعني زيادة جهد التنظيف. ثم إنه لا تغيب عنَّا ما تُشكِّله كثافة أعداد الحمام من عوائق أمام الداخلين والخارجين، وما تسببه من أذى حين تطير على مقربة منهم، حتى تكاد تصطدم بأجسامهم، وربما حدث ذلك كثيرًا.

لا أدعو لقتل حمام الحرمين ولا تنفيره، لكنني أدعو لعدم توفيرِ أولئك الباعة للحبوبَ المغذيةَ للحمام، وأدعو لصدهم عن ممارسة هذا العمل، ومنع قاصدي الحرمين من شراء الحبوب ونثرها، والتشديد على ذلك، وفرض الغرامات والعقوبات؛ حتى يتحوَّل الحمام عن الحرمين، أو تقل على الأقل أعداده، ثم إن الحديث الشريف نصّه واضح وصريح، فهو يمنع صيد حمام الحرمين، ويمنع تنفيره، في الوقت نفسه لم يأمر ولم يحث على إطعامه، بل لو أن الحديث دعا لإطعام حمام الحرمين، وترجَّح وجود ضرر من ذلك، فربما يكون منع الإطعام مُترجّحاً.

لا أدري من أين أتت هذه القداسة لحمام الحرمين حتى أصبحنا نتحاشى مجرد الحديث عن إطعامه؟، ولا أدري أين هؤلاء المتورعون في قضية إطعام الحَمَام من هدم الكعبة وإعادة بنائها على مر التاريخ الإسلامي، وهي الأكثر قداسة؟، وهل يريد المتورعون أن يبقى أذى الحمام حاصلًا؟، ثم إن هذا الورع لا يختلف كثيراً عن الورع في مسائل دعت لها الضرورة، وترجّح القيام بها لتحقيق مصالح أعلى - خصوصاً وهي ليست من العقيدة ولا تقدح فيها - وهو ما حصل وبان نفعه اليوم.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store