Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
منى يوسف حمدان

التعليم وصناعة الشغف المعرفي عند جيل المستقبل

A A
في حوار بين مذيع ومذيعة عن ذكريات اليوم الدراسي الأول تباين رد فعل كل منهما، المذيعة قالت إن اليوم الأول كانت تنتظره بشغف واهتمام وترقب كبير، والمذيع رد عليها بأن ذكرياته مع ذلك اليوم مؤلمة بوجع ينتابه في بطنه، وعدت بذاكرتي لما كنت أفعله مع بداية كل عام دراسي وحرصي على ارتياد فصلي وأبحث في القوائم على باب كل فصل حتى أجد اسمي ثم أذهب مبكراً لأنال نصيبي في المقعد الأول أمام السبورة ولم أفرط يوماً في هذا المقعد ولا رقم واحد، كنت أعاهد نفسي في بداية كل عام أن أستمر في الحصول على الترتيب الأول وحصد أعلى الدرجات ونيل ثقة معلماتي وإدارتي، وقبل أيام تلقيت اتصالاً من مديرتي في المرحلة الثانوية الأستاذة القديرة هند الدخيل وكم كانت سعادتي لا توصف بسماع صوتها وبأنني ما زلت في نظرها تلك الطالبة والابنة التي لها مكانة في قلبها وهي كذلك تعلمت منها الكثير، وما زالت حاضرة في ذهني تلك الإطلالة الصباحية لها في الطوابير والممرات وكانت مدرستنا مجمعاً للمتوسطة والثانوية في الحرة الشرقية رغم كبر المساحة وعدد الطالبات والمعلمات الكبير لكن كانت مدرستنا مثالية في الانضباط والسمعة الحسنة بين جميع مدارس المدينة.

وهنا وقفة مع الشغف المعرفي وحب التعليم وأروقة الفصول وقاعات المحاضرات في الجامعات هل هو صناعة بيت أم مدرسة أم مجتمع؟، ورأي أؤمن به هو منظومة عمل تكاملي بين جميع أفراد المجتمع، فليست المؤسسات التعليمية وحدها معنية بصناعة الجيل وإعداده للمستقبل.. الطفل القادم من بيته وهو غير مهيأ له أسباب الراحة والسعادة والاهتمام ومن يعاني من مشاكل أسرية وصراعات عائلية لن يكون طالباً طبيعياً مهما حاول المعلم الاهتمام به وتقديم كل الخدمات التعليمية والنفسية والسلوكية ما لم يكن هناك تضافر للجهود بين البيت والمدرسة لا يمكن تحقيق النتيجة والهدف المنشود.

قمة المشاكل عندما يعاند ويتحدى ولي الأمر ولا يعترف بقصوره تجاه ابنه أو ابنته وأسهل ما يمكن فعله هو أن يلقي بكل اللوم على المعلم والمؤسسة التعليمية ولا يدرك حجم الخطر إلا في نهاية المشوار مع ظهور النتائج وإخفاق واضح للمستوى التعليمي وعدم إتقان المهارات أو تغيير في السلوكيات.

في طفولتي المبكرة حظيت بصحبة زميلاتي من جنسيات عربية متنوعة وكن من المتفوقات وكنت أحرص على أن أكون أكثر تفوقاً منهن وأذكر اسم طالبة سودانية اسمها هند كانت تحدثني عن رغبتها في الالتحاق بكلية الطب وهي هدفها من المرحلة الابتدائية وقلت لنفسي لم لا أكون أنا كذلك؟ وكان التنافس بيننا رائعاً على ربع درجة ونصف درجة.. نصيحة اجعلوا من يرافق ويصاحب أولادكم وبناتكم ممن يعلي عندهم الهمة ويجعلهم يحلقون بعيداً في أفق التميز والإبداع، لا يوجد مستحيل طالما هناك عزيمة وإرادة وهمة عالية، وكانت بنات الجار من الجنسية المصرية يحضرن معهن كتب سلاح التلميذ اقتنيتها واستفدت منها كثيراً في زيادة حصيلتي المعرفية والعلمية واستثمر أوقات إجازتي في الاطلاع عليها بكل حب وشغف للعلم والمعرفة، حتى التنافس بيني وبين أخي محمد رفيق دربي وتوأم الروح الذي التحق بالمدرسة صغيراً قبل السن النظامي فترافقنا في مراحل الدراسة من الصف الأول وحتى التخرج من الثانوي وبتفوق كبير.. كنا نتسابق في حل مسائل التفاضل والتكامل في الرياضيات التي عشقناها سوياً وما أجملها من ذكريات التي تربطني بمدارس تعلمت فيها ومعلمات كنت قريبة منهن وكذلك أستاذات في الجامعة نلت حظاً وفيراً من الثقة وعقد الصداقة معهن لأنني فعلاً كنت شغوفة بالتعلم من كل التفاصيل التي تحيط بمن ينال شرف أن يكون معلماً للناس ويرشدهم لطريق النور.

همسة تستحق التأمل والتفكر ودعوة صادقة من قلب يستشعر أهمية العلم وتقدير أهله، ازرعوا في قلوب أبنائكم وبناتكم احترام وتقدير المعلم وكل من ينتمي لهذه المهنة المقدسة، لا تنتقصوا من قدرهم إطلاقاً فهم أولى الناس بالتقدير والاحترام، ولكل ولي أمر ولكل من يرتاد دور التعليم حافظ على انتقاء كلماتك ولا تنفعل ولا ترفع صوتاً ولا تقلل من شأن من يولي كل اهتمامه لابنك أو ابنتك فوالله لا يعلم مدى وحجم الأمانة والمسؤولية التي انيطت في أعناق المعلمين إلا الله جل في علاه.

وكم أتمنى من وزارة التعليم أن تصدر تعميماً وتولي اهتماماً لحقوق المعلمين في مواجهة المجتمع فكما أقرت وزارة الصحة بوضع لوحة في كل منشأة صحية بعدم التعدي على موظفيها وتجريم وتغريم من يتجاوز حدوده لفظياً أو جسدياً فسينال جزاؤه، كذلك دور التعليم لها حرمتها ومن يعملون فيها يواجهون يومياً عدداً كبيراً من المراجعين الذين قد يجاوزون حدودهم ولا يردعهم أي ذوق أو أدب لكن القانون سوف يوقف هذه التجاوزات حتى ولو كانت فردية ومحدودة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store