Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

استقِلْ قبل أن تقال

إن من حفظ الكرامة وماء الوجه أن يستقيل أي موظف أو مسؤول من عمله إن علم بعجزه وفشله. وكما قالت العرب (بيدي لا بيد عمرو).

A A
إن من حفظ الكرامة وماء الوجه أن يستقيل أي موظف أو مسؤول من عمله إن علم بعجزه وفشله. وكما قالت العرب (بيدي لا بيد عمرو).من السلوكيات الحضارية لدى الغرب خصوصاً والدول المتقدمة عموماً، ما سمعناه وشهدناه مراراً وتكراراً خلال سنوات وعقود مضت من حالات استقالة في قطاعات حكومية وأهلية عدة في تلك الدول بسبب التقصير أو الفشل أو الفساد، فطالما استقال وزراء وربما رؤساء وزارات ومديرون كبار لشركات ومنظمات عالمية ضخمة رأسمالها مليارات الدولارات في حال شعر المسؤول بأنه لم يؤد المطلوب منه في عمله على الوجه الأكمل، أو أنه بذل قصارى جهده فلم يستطع تحقيق الأهداف المرجوة منه أو تغطية المهام الوظيفية المناطة به، فيشعر بالخجل أن يبقى في منصبه يتقاضى رواتبه ومخصصاته وهو عالة على مؤسسته، يضرها ولا ينفعها، وبوازع من ضمير وليس لوازع ديني في معظم الأحوال يقدم مسؤول كهذا استقالته دون تردد ولا يمكن أن يتراجع.وفي حالات قليلة في الغرب (بعكس ما يحدث في العالم النامي) يكون سبب الاستقالة هو الفساد كاختلاس الأموال أو المحسوبية أو الرشوة، لأن الفساد نادر الحدوث فيالغرب وانكشافه أمر سهل جداً ولا يخفى على أحد، فلا يجرؤ أحد على الاختلاس أو الرشوة أو إهدار المال العام لأنه يعلم أن عين الرقيب تلحظه وترمقه، وقبل ذلك لا تسمح له أخلاقياته وانتماءاته الوطنية والقومية أن يُقدم على شيء من ذلك. أما المحسوبية التي تقوم عليها كل تعاملات العالم النامي فليس لها مرادف في لغات الغرب جميعها، ولا أدل على ذلك مما حدث مؤخرا في فرنسا حين ترشح نجل الرئيس الفرنسي ساركوزي وهو شاب يافع لمنصب أوروبي مرموق، فقامت الدنيا ولم تقعد رغم ما قيل ونشر من أن الشاب كان مؤهلا تماما لهذا المنصب بمعزل عن كونه ابن الرئيس، ولكن الأخلاقيات الأوروبية تمنع الزعماء والسياسيين من أن يكونوا موضع شبهة ولو قيد أنملة، لذا فقد عدل ابن الرئيس الفرنسي عن ترشيح نفسه لهذا المنصب وهو أهل له. ولنا أن نقارن بين هذه الحادثة وما يحدث في عالمنا العربي.جالت بخاطري هذه الحقائق عن مجتمعات لطالما وسمعناها بالكافرة والبعيدة عن تعاليم الدين، كما وسمناها بالعلمانية والليبرالية، وهي حريصة على أن يقوم كل مواطن فيها بواجبه الوطني حق القيام دون تقصير أو إهمال، حتى أصبحت تلكم ثقافة متأصلة في ضمائر الغربيين عموما، فإن قصّر أحدهم بادر إلى الاستقالة دون أي تفكير أو تردد، ودون تمسك مقيت بالكرسي رغم الإهمال والتقصير.جالت بخاطري هذه الحقائق وأنا اقرأ بألم وأسف أخبار عملية التحقيق الواسعة فيما جرى في عروسنا المعذبة البائسة جدة، وعمن طالتهم يد العدالة من المسؤولين عن كثير مما حدث بسبب التقصير والإهمال، وربما الفساد الإداري والمالي كما طالعنا وتطالعنا الصحف كل يوم التي ذكرت ما يمكن أن يلحق بمن تثبت عليه التهم الموجهة اليه من سجن وغرامة مالية فادحة ومصادرة للأموال المنهوبة، وقبل ذلك كله بالطبع الإقالة من عمله، وهو أقل ما يمكن أن يلاقيه كل من خان الأمانة التي تحملها طوعا لا كرهاً، وأجرم بحق دينه ومليكه ووطنه ومواطنيه وتسبب في هلاكهم وخراب ديارهم وضياع أموالهم ويُتم أبنائهم وترميل نسائهم وإهدار الأموال العامة، وربما سلبها ونهبها والإساءة إلى المظهر الحضاري للبلاد بشكل لم يسبق له مثيل، والقائمة تطول.أقول وبالله التوفيق لو أن هؤلاء أو بعضهم ممن أدركوا أنهم عاجزون عن أداء أعمالهم على الوجه الأكمل وأن سواهم أقدر على ذلك منهم، لو أنهم استقالوا قبل أن يقالوا، أما كان ذلكم أزكى لهم وأطهر بدل أن ينكل بهم ويشهّر كما يحدث اليوم بعد فوات الفوت، ولات ساعة مندم.لم نسمع إلا القليل من حالات الاستقالة لبعض الموظفين الذين فشلوا في أداء مهامهم على مدى سنوات، خاصة إن كانت هذه المهام على مستوى الوطن كله. وتلك شجاعة في تقديري فإن فشل البعض في منصب صغير وضع فيه فاستقال ثم فشل فشلا أكبر في منصب أكبر فاستقال كذلك فذلك دليل على أنه يعرف قدر نفسه (رحم الله امرءاً عرف قدر نفسه).إن من حفظ الكرامة وماء الوجه أن يستقيل أي موظف أو مسؤول من عمله إن علم بعجزه وفشله. وكما قالت العرب (بيدي لا بيد عمرو).
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store