Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. علي آل شرمة

تكاثر أعداد «البابون».. يهدد سلامة المواطنين

A A
جدل كثير أثاره ظهور أعداد كبيرة من قرود البابون خلال الفترة الماضية في أحد الأحياء السكنية بمدينة الرياض، مما تسبب في تفشي الخوف والذعر وسط العائلات، ودفعها لمنع أطفالها من الخروج من المنازل، وهو ما استدعى تدخل الجهات المختصة لمواجهة تلك المشكلة، وتجميع تلك الحيوانات وإطلاقها في أماكن تناسبها، وتمنع الخطر عن المواطنين والمقيمين.

ويلاحظ أن أعداد تلك الحيوانات تزايدت خلال الفترة الماضية بصورة كبيرة، لا سيما في عدد من المناطق السياحية، مثل الطائف وعسير والباحة وغيرها من المدن، وباتت تسبب الإزعاج والمضايقات للسياح والمصطافين بما تُشكّله من مخاطر كثيرة على صحتهم وسلامة عائلاتهم، وذلك بعد وقوع كثير من حالات الاعتداء، مثل مهاجمتهم وخطف أغراضهم وطعامهم، ووصلت إلى محاولة اختطاف الأطفال.

ورغم أن الكثيرين تحدثوا عن تلك المشكلة، ودعوا إلى إيجاد حلول للسيطرة عليها، ونبهوا إلى الأخطار التي قد تنجم عنها في المستقبل، والتي تصل إلى تهديد الحياة، إلا أن المشكلة ظلت على حالها.

ومع أن القرود مسالمة بطبيعتها ولا تميل إلى العدوانية، إلا أن هناك كثيراً من العوامل التي تدفعها للقيام بتلك التصرفات الخارجة عن إرادتها، وفي مقدمتها اعتياد السياح على تقديم الطعام لها للدرجة التي جعلتها تترك البحث عن الطعام بنفسها، وتعتمد على ما يقدمه لها المارة، لذلك عندما تقل كميات الطعام؛ فإنها تلجأ لاختطافه ومحاولة الحصول عليه بالقوة.

كذلك فإن وجودها بهذه الأعداد الكبيرة وتجوّلها بين الناس، يمكن أن يُشكِّل تهديداً بانتشار الوبائيات، لا سيما في ظل ظهور أمراض مستحدثة، مثل كورونا وغيرها، كذلك فإن انتقالها من مناطق حياتها الطبيعية مثل البرية والمحميات والأشجار والجبال، واعتيادها العيش وسط الأحياء السكنية بين المواطنين، يمكن أن يُشكِّل إخلالاً كبيراً بعناصر البيئة.

ربما يرى البعض في تلك الحيوانات جانباً لإثراء الحركة السياحية، خصوصاً في المناطق التي اشتهرت بوجود القرود فيها، وهذا صحيح، بسبب قدرتها على إثارة الضحك والتفاعل مع صغار السن، لكن ذلك ينبغي أن يكون بحذرٍ شديد، فقد وقعت خلال الفترة الماضية حالات كثيرة من اعتداء تلك الحيوانات على المارة، بسبب بحثها عن الطعام، وهو ما يهدد سلامة الأطفال الذين يميلون إلى اللعب بعيداً عن عائلاتهم خلال التنزه، فتلك الحيوانات تمارس هجماتها في جماعات كبيرة، ربما لا يستطيعون ردها والتصدي لها.

ليس ذلك فحسب، ففي كثير من الحالات قامت مجموعات من القرود بتسلق أسوار المنازل، والتسلل داخلها بحثًا عن الطعام، والاعتداء على المارة والزوار، والتسبب في تلوث بيئي، وإرباك مرتادي الطرق السريعة، والحدائق والمتنزهات العامة، مما يتطلب تغيير أسلوب التعامل معها، حفاظاً على سلامتنا وعائلاتنا.

ويعود السبب الرئيسي في تزايد وجود قرود البابون وسط المناطق السكنية -حسب ما أعلنته الأجهزة المختصة- إلى قيام المواطنين بتقديم الشراب وبقايا الطعام لها، كجزء من طبيعة مجتمعنا الخيّرة التي تحض على الرفق بالحيوانات، لكن يجب علينا إدراك أن ذلك يشجعها على هجر بيئاتها الطبيعية التي خلقها الله لتعيش فيها، وتنتقل إلى العيش بيننا، مع ما يُشكِّله ذلك من مخاطر عديدة.

لذلك، ومع تزايد حالات الشكوى من انتشار تلك القرود للدرجة التي تُشكِّل فيها تهديداً لحياة الناس، وللجهود التي تبذلها الدولة لتشجيع السياحة الداخلية، فإننا بحاجة إلى حملة متكاملة تشارك فيها كافة الجهات المختصة، مثل المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية، ووزارة الصحة، والبلديات، وجمعيات الرفق بالحيوان، لوضع استراتيجية شاملة للتعامل مع هذه المشكلة، بحيث تسفر في الآخر عن إعادتها لمواطن حياتها الأصلية في الغابات والمحميات، أو إنشاء محميات خاصة بها، والتحكم في زيادة أعدادها التي وصلت إلى نسبة مخيفة.

أما من يقتنون تلك الحيوانات في منازلهم أو في الاستراحات الخاصة، فهؤلاء يرتكبون فعلاً مخالفاً للقوانين والأنظمة، وعليهم المسارعة لتصحيح أوضاعهم، والتخلص من تلك الحيوانات بالطريقة الصحيحة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store