Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
طارق علي فدعق

مرمشــــــــــــة

A A
عنوان المقال يعني النهش العنيف للخيرات بأشكاله وأنواعه المختلفة.. ولا يخفى على الجميع تاريخ العالم الحافل بالمرمشة الاستعمارية لبلدان، بل ولقارات بأكملها، شاملاً استغلال البشر، والمعادن، والمحاصيل.. لقد تم استعباد وتصدير ملايين البشر لزراعة القطن والسكر وغيرها من المحاصيل التي غيَّرت العالم.. وتم استخراج الألماس، والذهب، والفضة، والمعادن النفيسة الأخرى من المناجم، والمحاصيل الزراعية من الأراضي الخصبة، باستخدام ممارسات استغلالية مخجلة.. واليوم يشهد العالم بداية مرمشة من نوع آخر، بعيداً عن وجع الرأس على الأرض.. تنظر مجموعة من الدول، ووكالات الفضاء، والشركات إلى الفضاء الخارجي بأنه من المجالات الخصبة للحصول على الموارد المختلفة بدون «مناحلة». وسأبدأ بالقمر.. كلنا نرى جماله، بل ومنَّا من أطلق بعض من أسمائه على أبنائنا تكريماً له، ومنها «بدر» و»هلال».. ومعظمنا استخدمه لقياس الزمن كما نشهد في تاريخنا الهجري.. ونظمت مئات آلاف أبيات الشعر عنه، وكان في زمن ما؛ من أهم المعايير لقياس أوضاعنا المالية الشخصية، وخصوصاً عندما كانت الرواتب محددة بالشهور الهجرية.. وكان أيضاً من معايير «جنان» بعض البشر عندما يكتمل البدر.. علماً بأن البعض يعانون من الجنان طوال الشهر. وتغيرت علاقة البشر مع القمر في ديسمبر 1968 عندما وصل ثلاثة رواد فضاء على رحلة «أبولو 8» إلى مداره، فأخذوا عشرة لفات حوله، ثم عادوا إلى الأرض، ومهدت تلك الرحلة لمهمة الهبوط على سطحه في رحلة «أبولو 11 « بتاريخ 24 يوليو 1969.. سميت تلك الخطوة الرائعة «استكشاف».. وسماها البعض الآخر «غزو».. وتغيرت عبر الزمن لتصبح أحلام وطموحات «مرمشة» القمر. ولنتوقف لحظة هنا لذكر المعاهدة الدولية لمنع الاستغلال العلني لخيرات الفضاء الخارجي، والقمر التي تم ترسيمها عام 1967 في الأمم المتحدة، وتم التوقيع عليها من مائة وأربعة عشرة دولة. وككثير من المعاهدات الدولية المعنية بالفضاء، هي مجرد حبر على ورق فاخر.. فالاتفاقيات والمعاهدات في واد، والتعطش العالمي للموارد في واد آخر.. هناك ما لا يقل عن خمس وكالات فضائية، وخمسين شركة يتطلعون إلى القمر، كمصدر للعديد من الخيرات، ومنها عنصر «الهليوم 3 « النادر والضروري لتوليد الطاقة النظيفة، وعنصر «اليورانيوم» لتوليد الطاقة النووية، ومجموعة العناصر الأرضية النادرة، وهي تحتاج وقفة سريعة.. هذه مجموعة عناصر عددها 17.. تتشابه في خصائصها المغناطيسية، وتعاملها مع التيارات الكهربائية وخصائص أخرى.. وكانت مهملة إلى أن تسارع نمو استخدام الإلكترونيات المتطورة منذ بداية الثمانينيات الميلادية من القرن الماضي. سطع نجم تلك المجموعة ذات الأسماء الغريبة مثل تربيوم، واربيوم، واتريوم، ولوتيتيوم، وسيريوم، وثوليوم، وجادولينيوم.. وحرصت الصين على احتكار تعدينها وتصنيعها لعدة أسباب، منها تأثيراتها البيئية الكبيرة.. وتفاجأ العالم بذلك الاحتكار، لدرجة أن بعض الدول بحثت في جدوى التنقيب عن تلك العناصر على سطح وباطن القمر.. ووجدوا كميات كبيرة منها. واليوم أصبحت ضمن أهداف «استكشاف» أو «غزو» أو ربما الأصح «مرمشة» القمر.

* أمنيــــــــــة:

القمر والأجرام السماوية الأخرى ليست ملكاً لأي دولة، مهما كانت براعتها التقنية، وهناك محاولات «عيني عينك» للالتفاف حول الاتفاقيات التي تقاوم الاستغلال العلني للموارد في الفضاء الخارجي، لمن لديه العضلات الأقوى.. أتمنى أن ترجّح الحكمة أنشطة استكشاف الفضاء الخارجي للبشرية أجمعين بما يرضي الله عز وجل، وهو من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store