Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

لماذا لم تتهم قريش القرآن بالإرهاب؟

A A
نزل القرآن الكريم في قريش وبلُغتها، فما استطاعت أن تقدح فيه إلا بقولها عنه إنه (سحر، شعر، أساطير الأولين، قول البشر...)، وما استطاعت أن تصد الناس عنه وعن مناهله الصافية، حتى مكَّن الله للإسلام، فدخل الناس في دِين الله أفواجًا، العجيب في الأمر هو أن تأثير القرآن في قريش لم يكن تأثيرًا محدودًا يقتصر على آحاد الناس، ولم يقتصر على تغيير بعض المفاهيم لدى فئة قليلة منهم؛ وإنما - وهنا الشاهد- كان تأثيره بالغًا؛ حيث غيَّر المفاهيم وقلب موازين القوى، وجعل الناس ينصرفون عن عقائدهم الشركية، ويلوذون بعقيدة الإسلام، والأكبر من ذلك أن قريشًا فقدت مكانتها وزعامتها بسبب هذا القرآن الذي أدهشها ببلاغته وفصاحته، وأعاد الأفهام إلى صوابها، فأخرج الناس من عبادة الأصنام إلى عبادة الله وحده، ونتيجةً لهذا التغيير العظيم وهذا الانقلاب الكبير الذي حصل لقريش، وزعزع أركانها وخسرت بسببه نفوذها ورجالها في معاركها مع الإسلام النابت فيها، فإن الذي يتبادر إلى الذهن - بحسب منطق اليوم- هو أنَّ قريشًا ستتجه مباشرة إلى القرآن، فتُسقِط عليه تُهمة (الإرهاب)، وتجعله السبب الأوحد في هذا الانقلاب وهذا التفكك الذي ضرب عقيدتها ووحدتها ولُحمتها، لكن هذا لم يحصل؛ فلم تصفه بالإرهاب أو غيره من التهم مما يدور في فلك هذا المفهوم الذي عمَّ اليوم وطم، خصوصًا في بلاد الغرب، والسؤال الذي ينبغي أن يُطرح هو: لماذا لم تتهم قريش القرآن الكريم بالإرهاب والتحريض عليه، مع أنها تعرف - حينَها- مفردة الإرهاب، وقد وردت في آيات كثيرة من القرآن بصيغ مختلفة؟ والجواب؛ هو لأن القرآن نزل بلغتها، ولأنها تدرك بيانه وبلاغته وتعي مضامينه ومراميه لم تجد فيه ما يحرض على الإرهاب، فلا تستطيع أن تقول عنه ما ليس فيه، إلا أن تقول عنه كلاماً مرسلاً كوصفها إياه بالسحر والشعر.. إلخ، وعلى السؤال الأول ينبني سؤال أخير وهو: لماذا إذن يتهم الغربُ اليوم القرآنَ بالإرهاب؟ هل لأنه أعرف بلغة القرآن من قريش؟ أم لأنه - وفق منهج ما- وجد فيه ما لم تجده قريش؟ والجواب؛ هو أن ذلك يعود لكون الغرب ذا لغة أعجمية قاصرة، والغرب مهما أجاد آحادُهُ اللغةَ العربية فلن يبلغوا أسرارها كحال قريش، وعلى هذا يتضح بطلانُ اتهامِ الغربِ القرآنَ بالإرهاب حينما عمد إلى بعض آياته، فتأوَّلها وفق مفهومٍ لا يعي مضامينها ومقاصدها، ولو افترضْنا - جدلًا- أن الغرب أجاد العربية وأسرارها، وأدرك مضامين القرآن وآياته، فإنه لن يقف عند حدود هذا الإدراك، فيكُف عن اتهام القرآن بالإرهاب والتحريض عليه؛ وإنما سيلجأ تحت أي مبرر لـ(قصدية الاتهام)، التي هي الباعث الحقيقي لاتهامه القرآنَ بالإرهاب، على هذا يَعرف العاقل الحصيف أن إمساك قريش عن اتهام القرآن بالإرهاب - وهو الذي أزال كيانها وقلب موازينها- مقابل اتهام الغرب الأعجمي - ومعه آحاد العرب- القرآن بالإرهاب، إنما مرده إلى أن قريشًا بسليقتها العربية الفصيحة تعي وتدرك جيدًا مقاصد القرآن ومضامين آياته، ولذلك لم تجد فيه ما يحرض على الإرهاب فلم تُطلق هذا المفهوم عليه، وهو الأمر الذي لم يبلغه الغرب الأعجمي، وحتى لو بلَغَه فستأتي أحكامه اعتسافًا قصديًّا تجعل من القرآن - في مفهوم الغرب- باعثًا حقيقيًّا للإرهاب.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store