Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
فاتن محمد حسين

(90 يوماً).. بين الدراما والحقيقة

A A
تعتبر السينما أحد أهم أدوات الثقافة التي تهتم بنقل معطيات الفكر والحياة الاجتماعية والثقافية بصفة عامة، كما تهتم ببث القيم، وتوجيه سلوك الناس واتجاهاتهم؛ وهي بالغة الخطورة إذا كانت تبث قيم ومبادئ تزعزع القيم الإنسانية الخالدة إلى آخري تشمل تفاهات أو فكر متطرف، أو خروج عن الدين أو المبادئ، إلى أفكار مناقضة للدين أو إلحادية.. أو غيرها، وهي من أهم وسائل الإعلام والإعلان والتوجيه العام.. هذا إلى جانب دورها الترفيهي والتربوي والثقافي في مختلف المجالات الاجتماعية والدينية والسياسية.

ولأن السينما أحد أدوات الثقافة، فقد اهتمت (هيئة الأفلام) التابعة لوزارة الثقافة بتعزيز إنتاج الأفلام السعودية، وتشجيع النخب من الممثلين والممثلات السعوديات لدعم المنظومة الثقافية الوطنية على المستوى العالمي، وتعزيز مكانة المملكة في التفاعل مع الخبرات العالمية في مجال السينما، ولإيصال رسائل تحمل قيم وأهداف وأخلاق المجتمع السعودي المسلم.. هذا بالإضافة إلى اهتمامها بالنقد السينمائي لتحسين وتطوير المجال الذي يعتبر في بداية مشواره.

مقالي هذا بعد مشاهدة الفيلم السعودي (90 يوم)، والذي أطل في 18 أغسطس 2023 في دور العرض السعودية، وبعض من الدول العربية، كما وجدته على متن طائرات الخطوط السعودية في رحلاتها الدولية، حقيقةً استمتعت بمشاهدة الفيلم الذي اعتبره نقطة انطلاق للفيلم السعودي للعالمية بما يحمله من قيم أخلاقية عن المجتمع السعودي، بل واهتمامه في معالجة تحديات قضية الطلاق؛ وهي من القضايا الشائكة التي أصبحت تؤرق المجتمعات الإنسانية، وتوجه الإسلام في هذه القضية.

وحقيقةً، أبدع مخرج الفيلم ومنتجه الأستاذ فيصل الحربي في العرض الدرامي - الكوميدي- الرومانسي، وتجسيد الشخصيات الرئيسية في الفيلم، وهم: مروة محمد، وفيصل الزهراني، وسناء بكر يونس، وعبدالعزيز السكيرين في قضية اجتماعية ، وهي الطبيبة سارة التي تمكنت من التعليم والعمل، وأصبحت لها شخصيتها المستقلة، وهي لا ترغب في الزواج من أي شاب يتقدم لها.. ولكن شاب بمواصفات معينة، وحينما وجدته.. لم تلبث أن تكتشف بالصدفة أنه كذب عليها من خلال فحوصات طبية تثبت عدم قدرته على الإنجاب.. وهنا كانت النقطة الفاصلة اللي تطلب فيها الزوجة الطلاق؛ ولأن كرامة الرجل السعودي عادةً تكون فوق أي اعتبار، فإنه يطلقها بالرغم من حبه لها، وهنا تأتي عقدة العمل الدرامي، وطرح خاله له الحل برؤية الإسلام في الطلاق مرة واحدة، وهي (عدة الزوجة)، وتكون في منزل الزوجية وليس بخروجها منه - كما هي عادات وتقاليد الكثيرين في بلادنا - التي ابتعدت عن النص القرآني في قوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحۡصُواْ ٱلۡعِدَّةَ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ رَبَّكُم لَا تُخۡرِجُوهُنَّ مِنۢ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخۡرُجۡنَ إِلَّآ أَن يَأۡتِينَ بِفَاحِشَة مُّبَيِّنَة وَتِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَقَد ظَلَمَ نَفۡسَهُ لَا تَدۡرِي لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحۡدِثُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ أَمۡرا﴾.

نعم في الإسلام بيت الزوجية هو بيت المرأة وليس الرجل، وهذا تقديراً وتكريماً لها، وهو ما لم تقرره شرائع وديانات أخرى؛ وليس عليها الخروج منه إذا كان الطلاق مرة أو مرتين، ومع ذلك يحدث العكس في الغالب الأعم، وتخرج المرأة بمجرد سماع الكلمة، وبذلك تتعقد الأمور وتصعب العودة والتراجع عن قرار خاطئ ومتسرع.. ولكن عودة سارة لمنزل الزوجية يُوجِّه البوصلة للمرأة لأهمية البقاء في منزلها، وفتح الحوار مع زوجها وتوضيح وجهة النظر.

ولعل نقطة أخرى مهمة أُوجِّه النظر إليها، وهي أن سارة كانت متحجبة في منزل الزوجية بعد العودة، وهذا لا يفترض أن يكون، بل تتزين وتتجمَّل له بما يُحفِّز رغبته في مراجعتها.

ولعل إدخال عنصر الإثارة في مشكلة أخت سارة مع خطيبها الذي يبتزها، وهو إنسان غير كفؤ لها، فيقوم فهد بدوره البطولي في إيقافه عند حده، وتسليمه للسلطات.. وهو إظهار لشهامة الرجل السعودي، كما أن الاعتذار الذي يُقدِّمه فهد لسارة؛ يُظهر جانب كبير من اعترافه بالخطأ، وبالمقابل وجود التسامح والعفو من جانب سارة، وأنه ليس المهم إنجاب أطفال.. صحيح أن الأولاد زينة الحياة الدنيا، ولكن الزواج والحب والاستقرار هو أصل الحياة.

رسائل اجتماعية قيّمة، ومضامين يحملها الفيلم، ويُجسِّد رؤية الدين الإسلامي السمح في التعامل بين الأزواج، فكما الزوج يخطئ، فإن الزوجة تخطيء، ولكن قيم التسامح والعفو والصفح يجب أن تكون بوابة العودة لاستمرار الحياة الزوجية، حتى يحدث الاستقرار في الأسرة، وبالتالي في المجتمع.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store