Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد عجب

تبلد مشاعر المشاهير

لكن بالعقل عرفناه

A A
قبل سنوات، فجعت بخبر تعرض عائلة صديقي، لحادثة سير شنيعة، ذهبت ضحيتها زوجته وولده، ورغم مشاغلي العديدة، حملت نفسي، وقررت السفر فوراً لتعزيته، خاصة أن جواله مغلق، وبعد أن قطعت 450 كم، ووصلت لوجهتي، بحثت عنه بمسجد القرية، بالمقبرة، بوجوه الناس، بسرادق العزاء، لكنني لم أجده، وحين أسأل أقاربه يوطؤون رؤوسهم، حتى شككت للحظة بأنه كان مع عائلته بالحادث وتوفي معهم، وبعد صلاة العشاء وأنا أهم للعودة، لحقني أخوه الكبير معتذراً: "صديقك من قوة الصدمة منهار بغرفته، يرفض الخروج أو استقبال أحد، يرفض فكرة تلقي العزاء لحبه الشديد لابنه وزوجته، ولشعوره بالذنب لبعده وتقصيره معهم"، طبعاً عذرته، وكتمت العبرة، ومن كثرة الأفكار التي راودتني، لا أعرف كيف مضت سكة السفر الطويلة بتلك السرعة؟!.

في زمننا الحاضر، وأمام السباق المحموم لحصد فلاشات الشهرة، تحولت الكوارث العائلية لمهرجانات سينمائية، يعرض فيها مشاهير الفلس آخر سناباتهم الدرامية المستوحاة من أحداث واقعية، دون أن يهدروا قطرة حياء على عظمة الموقف وهول الفاجعة، وكأن من فقدوهم مجرد كلاب ضالة!!.

هناك من يرى أن لجماهير المشهور حق عليه ليطلعهم على أدق تفاصيل حياته، حتى وهو يلقي النظرة الأخيرة على فلذة كبده، أو شريكة حياته ويواريه الثرى، هناك من يرى أن هذه هي حياة المشهور التي اعتاد عليها، مقاطع، تصوير، (استهبال)، وبالتالي هو لا يجيد التعبير عن حزنه وحرقته إلا بهذه الطريقة، هناك من يرى أن الدنيا تغيرت، وما كان بالأمس عيباً أصبح اليوم متاحاً، وعلى (الشيبان) أمثالك أن يتواروا عن الأنظار بعد أن صدّعوا رؤوسنا بنقدهم الدائم للمظاهر الحضارية!!.

ومع تقديري لكل الآراء، يظل السؤال القائم الذي يعجز العقل عن استيعابه: كيف يستطيع المشهور بعز مصابه، تصوير سنابة درامية بجودة عالية؟! كيف حملته ساقه؟! كيف لم ترتعش أطرافه؟! كيف لم تخنقه عبرته؟!، كيف لم تنتابه غيبوبة؟! وكل ما أرجوه ألا يجيبني أحد بتلك العبارات المستهلكة: "الحزن بالقلوب"، أو "هذا من قوة إيمانه"، وكأننا أمام عابد يتعبد ليل نهار بصومعته، وليس أمام شخص فالت، جالس يبث 24 ساعة بحساباته!!.

الصحيح: بعيداً عن أي أفكار متوارثة أو أمور مستحدثة، يفترض أن يمثل المصاب الجلل الذي يقع على المشهور وهو يفقد إنسانًا غاليًا عليه، ضربة موجعة وتجربة ثرية، عليه أن يبتعد عن الأضواء مدة، ويتعلم من أخطائه، ويصحح مفاهيمه، عليه أن يصنع من هذه المرحلة الصعبة، دروسًا ومواعظ اجتماعية، لا إعلانات تجارية، عليه أن يتجنب الممارسات السلبية التي ربما أنعشت حياته وجيبه، لكنها بالمقابل نغصت وأضاعت حياة البقية!!.

يفترض أن يحتذي مشاهير الفلس بصديقي، الذي عاد معتذراً بعد عدة أشهر من فقدانه ولده وزوجته، يطلب لقائي، ولولا أنه نادى على كنيتي في الكافيه: أبوماجد، أبوماجد، لما عرفته، فقد شكلت هذه التجربة المرة: شخصية ملتزمة، شخصية ناضجة، شخصية تحترم وقتها، شخصية موغلة عن آخرها بالمشاعر والأحاسيس الإنسانية المرهفة!!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store