Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. بكري معتوق عساس

ولكنها وطنْ...

A A
تحتفل المملكة في الثالث والعشرين من شهر سبتمبر من كل عام بيومها الوطني، هذا اليوم الذي يعبر فيه الجميع عن فخرهم وعشقهم لبلدهم وقيادتها.

شخصياً ما قرأت سيرة عظيم أو نبيل قط إلا وكان الوطن فخره ومجده، وأكرم الخلق وأشرفهم، ضرب أروع الأمثلة في حبه لوطنه مكة، وحنينه الدائم لها.

لقد أحب وطنه مكة وكانت فكرة البعد عنها تؤذيه، وحين أخبره ورقة بن نوفل أن قومه سيخرجونه منها قال وكله حسرة «أوَ مُخرِجيّ هُمْ؟!» رواه البخاري.

إن الحنينَ إلى الأوطانِ هو دائماً فيّاض.. غزير.. دفَّاق.

إنَّه فطرة إنسانية.. وكَينونة بشرية.. ولذلك قرَنَ المولى جلَّ جلالُهُ الخروجَ من الأوطانِ بالقَتْلِ، فقال سبحانه وتعالى: (ولو أنَّأ كَتَبْنا عليهم أَنِ اقْتُلوا أنفُسَكُم، أوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُم ما فعلوه إلا قليلاً مِنْهم). [سورة النساء: الآية 66].

إنّها طبيعةُ الإنسانِ أَنْ يأويَ إلى وطنِهِ ويحبَّهُ ويتمسَّكَ بِهِ ولَوْ كانَ قِطْعةً مِنْ صحراءَ جَرْداءَ.

وصدق الشاعر حين قال:

بلاد ألفناها على كل حالة

وقد يؤلف الشيء الذي ليس بالحسن!

وتستعذب الأرض التي لا هواء بها

ولا ماؤها عذبٌ ولكنها وطنْ

ويتحدث ياقوت الحموي في كتابه الشهير «معجم البلدان»، عن بلدٍ اسمها سيراف، وينسب لها الإمام السيرافي النحوي، فيقول: ولقد رأيتُها وليس بها قوم إلا صعاليك، ما أوجب لهم المقام بها إلا حب الوطن.

إن محبة الأوطان فطرة في الكائنات الحية، فالنبات لا ينمو إلا في موطنه، وما كانت هجرة الطيور والحيوان إلا صراعاً أبدياً بين طلب العيش والعودة إلى الوطن.. فإذا كان هذا الحال مع من لا يعقل من نبات وحيوان، فكيف هو الأمر مع الإنسان المفعم بالعقل والإحساس والمشاعر.

لقد أدركت (العرب) من وقت مبكر قداسة المكان، وحرمة الأوطان، فذادت عنها، وقاتلت من أجلها، وبذلت في سبيل الحفاظ عليها الأنفس والأموال، وما زال أقل الناس منزلة ونُبلاً هو أقلهم حباً لوطنه واعتزازاً به.

وما استبشع الخلق خيانة كخيانة الوطن، ولا احتقروا أحداً كبائع وطنه، وكان (العرب) من قديم الزمان يَعْرُفُون أهل النبل والفضل بمحبتهم للأوطان، وقد جاء في كتاب «العقد الفريد» عن بعض أهل الحكمة: «يُعْرَف أهلُ الوفاء بحنينهم إلى الأوطان».

إن تعلق الإنسان بوطنه ليس تعلقَّا عادياً، الأمر يتعدى مرحلة النشأة والنمو، إنه أسمى من ذلك بكثير، إنه يمثل العرض والكرامة والعزة والشرف والانتماء.

وروي قديماً أن بعض العرب إذا سافر عن وطنه حمل معه قبضة من تراب وطنه يشمها في غربته كلما أشتد به الحنين إلى الوطن، فيهدأ حنينه، وينقشع ما كان به من ضعف.. كيف لا والوطن هو التاريخ والحاضر... إنه عبق الأجداد، وتطلع الأبناء، ومستقبل الأحفاد.

كيف لا والوطن هو مهبط الوحي ومهد الرسالة، وبلاد الحرمين الشريفين.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store