Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
طارق علي فدعق

مُغبّــــــــر

A A
من المضايقات التي تهيمن على حياتنا بوقاحة عجيبة هي الغبار.. نجده في كل مكان، مهما كانت درجة نظافته.. فضلا لاحظ أن تعريف هذا الملوث العجيب يعتمد على حجمه، وليس على شكله ومكوناته.. يعادل حجم هذه الحبيبات المتناهية الصغر؛ عشرين بالمائة تقريباً من النقطة في آخر هذا السطر.. وأثناء قراءتك للمقال، ستكون قد استنشقت ما يزيد عن مائة ألف «فتفوتة»، حتى ولو كنت في أحد الأماكن النظيفة، وأكثر لو كنت في إحدى الأماكن المكشوفة.. والمذهل هنا أن تقديرات قشور الجلد الصادرة من أجسام البشر؛ والتي تتغلغل إلى رئاتهم يومياً تفوق النصف مليون قشرة.. وهناك المزيد في الأرقام المذهلة التالية: كمية الغبار التي تصعد من الصحارى للسماء حول العالم سنوياً، تتراوح بين مليار وثلاثة مليارات طن من الغبار.. كمية تفوق وزن مليار سيارة «لاند كروزر».. وكمية بقع غبار الملح التي تطلقها المحيطات والبحار سنوياً تعادل نفس الكمية تقريباً.. أضف إلى ذلك ما تصدره النباتات المختلفة، وستجد أن الكميات العالقة في أجوائنا تبدو وكأنها أكذوبة علمية.. وكلها تساهم في تشكيل الطقس، بل وفي المناخ عبر السنين.. وهناك المزيد، ففضلاً تأمَّل في أطنان قطع الكباب، والشيش طاووق، واللحوم الأخرى، والتميس، والفلافل وغيرها من المأكولات التي نصدرها من مطاعمنا يومياً، لتسبح في أجواء المدن.. فكرة تنفّس قطع الكباب خطيرة.. وتأمل أيضاً أن في كل «دقة سلف» محرك تنفث الملوثات الغبارية.. وفي كل الرحلات الجوية تمطر علينا محركات الطائرات كميات هائلة من الغبار، بعضها تبقى عالقة في الجو لعشرات السنين.. ولا يفوتنا أن نذكر الغبار الصادر عن الأنواع والأشكال المختلفة من الحشرات، ومنها مخلفات الصراصير التي تختبئ داخل منازلنا، والحيوانات المختلفة من قطط وكلاب أعزكم الله.. وفضلاً لا تنسى كميات الغبار الهائلة الصادرة من البشر أنفسهم كما ذكرت أعلاه، مهما كانت درجة نظافتهم.. من الجلد، والشعر، والأظافر.. ومن الناحية النظرية ممكن أن نتخيل أن الحشرات نفسها تشتكي من كميات الغبار الصادرة من البشر أيضاً.. فكرة غريبة ولكنها جديرة بالتأمل.. ومن المعلومات المقلقة أن تقديرات أمراض الجهاز التنفسي - مثل الربو - في ازدياد متسارع حول العالم، لتصل إلى نسب تقدر بحوالى عشرة بالمائة.. علماً بأن الغبار هو أحد أفضل وسائل التنقل للجراثيم، لأن «الشعبطة» عليها سهلة نسبياً، وطيرانها يُوفِّر الحركة بسلاسة.. ويساهم الغبار الذي يزداد انتشاراً في كل مكان على الأرض، وفي البحار، والسماء في انتشار الأمراض.. وهنا تبرز إحدى التحديات غير المتوقعة، وهي أن حتى لو تركنا الأرض بأكملها؛ سنجد أن الفضاء الخارجي لا يخلو من الغبار.. سنجد «الفتافيت» المعدنية، والزجاجية من النجوم، والكواكب، والنيازك، والمذنبات والأجرام السماوية المختلفة.. وبعضها تصل إلى كوكبنا، لتضيف إلى التنوع الهائل في عالم الغبار العجيب.

وأخيراً، فبعض الأدوات المنزلية الواسعة الانتشار تضيف إلى تحدِّي نشر الغبار، ومنها المكنسة التقليدية، فهي من أدوات التنظيف المخيفة التي تنشر وتبعثر وتقلب الغبار من مكان إلى آخر.. والقلاية أيضاً، تساهم في طيران قطع الطعام الصغيرة، علماً بأن قلي الطعام هو من الأنشطة الرائجة في مطابخنا جميعاً.. ولا يخفى على الجميع حرق الفحم للطهي أو غيرها من الأنشطة بداخل المنزل.. ولا أود أن أُعلِّق على السجائر، والمعسلات، والبخور الآن.

* أمنيـــــة:

لم أناقش أحد أهم أنواع الغبار، وهو ما يغطي بعض العقول التي لا تستخدم كثيراً، وللأسف لا تزال منتشرة حول العالم، وبالرغم من طبيعة المقال المغبر، وكثرة الحديث عن الغبار أعلاه، فهناك المزيد من المعلومات التي أتمنى أن أطرحها للتأمل مستقبلا.. والله يكفينا شر الغبار، وهو من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store