Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

جعيط.. يصف نبيًّا؟ أم روحانيًّا سياسيًّا؟

A A
‏صفحة واحدة فقط من كتاب هشام جعيط (الفتنة.. جدلية الدين والسياسة في الإسلام المبكر)، تكشف لنا أنه لا فرق بين ما يعتقده جعيط، وما كان يعتقده الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين حينما قال: إن طريق القدس يمر بالكويت، أو ما ينادي به الحوثيون من أن الوصول للقدس يبدأ بالسيطرة على مكة.

جعيط في كتابه هذا دندن كثيرًا على مفهوم (البدو)، وهو ما يدندن به اليوم بعض القوميين العرب عن الجزيرة العربية -وخاصة السعودية- وأهلها في معرض اللمز للبدو والبداوة، وما يدور في فلك هذا المفهوم.

ها هو يقول: «أما الجنوب -يقصد اليمن- والشمال -يقصد الشام- اللذان تربط التجارة بينهما، فقد كان يربط بينهما أيضًا نمط المعيشة الحضرية والمدنية، وتقابلهما كتلة مساحات الجزيرة العربية الوسطى عالَم الرُّحَّل والقبائل ذوات النياق والجِمال، وبالتالي عالَم البداوة..».

الأطمُّ في كتاب جعيط هذا - وطوامُّه كثيرة- حينما جعل غاية البعثة النبوية - المتمثلة في إخراج الناس من الشرك إلى التوحيد، ومن الضلال إلى الهداية.. إلخ- محصورة في فتح مدن الشمال واليمن (المتحضرَين)، ورأى جعيط أن هذا الفتح لا يتم إلا عن طريق الاستيلاء على مكة، فهو بهذا المنطق لا يختلف عن فكر صدام والحوثيين؛ حيث يقول: «منذ مرحلة الحديبية توضَّح هذا الهدف، فالمقصود هو توحيد العرب أولًا ودفعهم من ثَم نحو فتح الشمال، ولبلوغ ذلك كان لا بد من المرور - بكيفية أو بأخرى- بالاستيلاء على مكة».

ومن طوامِّه أنه يرى أن قريشًا (لم ترغب في استثمار تفوقها في غزوة أحد؛ وذلك - كما يرى- من أجل ترك الفرصة لهذا النبي القرشي لتنفيذ مشروعه، وأن اعتراف النبي بالعمرة والحج كان من أجل رفعة الكعبة، وكل ذلك -حسب رأيه- من أجل أن تُمنح قريش مكانة مهيمنة في المنظومة النبوية). ويرى جعيط أن اعتراف النبي بالحج والعمرة وفتحه لمكة يشي بحنينه للعودة لوطنه (مكة)، فيقول: «وبإظهار النبي بوادر عودة كثيفة إلى الوطن وروابط الدم؛ فإنه أفقد الرسالة الإسلامية هالة الصمود والصفاء»، وكأنه لا يدري بأن النبي محمد - صلى الله عليه وسلم- اختار المدينة للعيش فيها بعد غزوة حنين، مع أنه فتحَ مكةَ - قبل غزوة حنين- وصارت مهيأة لبقائه فيها.

لو أن هذه التخاريف قيلت عن فترة ما بعد البعثة النبوية والخلافة الراشدة، لربما كان لها بعض القبول، لكن أن تقال عن عمق البعثة النبوية، فهذه تخاريف جعيطية بامتياز، ومن يقرأ كتاب جعيط هذا، فربما توهم أنه يقرأ عن بعض أساطير اليونان، أو عن النازي هتلر، أو الثوري نابليون.

وبالمجمل فجعيط لا يتكلم عن نبيٍّ مُرسل من ربِّه بالهداية، وإنما عن رجل كان «مؤهَّلًا أكثر من سواه للكلام في موضوعَي الدين والسياسة»، ففي المجال الديني كان «نتاج اتجاه روحي عميق، ويندرج في سياق المدى الطويل لتطوُّر الروحانية التوحيدية»، وفي المجال السياسي «كان يلبي الحاجة إلى تجاوز هامشية محلية، هامشية الجزيرة العربية، بإدخال مبدأ الدولة فيها وإليها».

مشكلة جعيط ومن هم على شاكلته أنهم يقرؤون التاريخ وفق مصادر، بعضها ربما كان غير صحيح، ويميلون إلى ما تهواه أنفسهم، بل ويفكرون نيابة عمن يكتبون عنهم، في مخالفة صريحة لأخلاقيات البحث العلمي، ومشكلتهم الأكبر أنهم لا يعودون للقرآن، وإن عادوا فهم لا يفقهون مضامينه؛ فها هو يورد آية قرآنية بهذه الصورة «تكون يد الله هي العليا»، ومقصده «وكلمة الله هي العليا»، فكيف نثق بعد ذلك في مخرجات تفكيرهم وهي بهذا المستوى من التردِّي؟.. وقد بيَّنتُ حال هؤلاء مع القرآن وقضاياه في مقال بعنوان: (مفكرون عرب.. يجهلون القرآن ويناقشون قضاياه!).

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store