Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
فاتن محمد حسين

الزلازل والفيضانات.. سنن كونية أم مؤامرة بشرية؟

A A
في إحدى مقالاته، كتب أحدهم موضوعاً ينتقد فيه ظهور أصوات تنتمي إلى مراجع دينية تُحمِّل كارثتي المغرب وليبيا أنه غضب من الله، وأن المرء لا يملك إلا التعجب، فكيف لهذه العقول إدراك سنن الله في الكون؛ فما يحدث في الكون هو من السنن الكونية، ويستشهد بالآية: (وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا). وهو - ربما بدون قصد- أخطأ في اختيار الآية الكريمة، فهذه الآية التي استدل بها؛ قد جاءت في مواضع مختلفة، ومنها في سورة الأحزاب الآية 62 (سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا)، ونزلت في المنافقين إذا هم أظهروا نفاقهم، أن يقتلهم الله تقتيلا ويلعنهم لعناً كثيراً، وهذه سنة الله في جميع المنافقين في كافة العصور والأزمنة، وأنها من السنن الكونية الإلهية التي لا تتغير.

وإذا كانت السنن الإلهية لا تتغير ولا تتبدل، فإن الله سبحانه وتعالى قد ذكر في القرآن الكريم أحوال الأمم في غابر الأزمان وعقابهم، ومنها ما جاء في سورة القمر: فقوم نوح عاقبهم بالطوفان؛ (فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ ٱلسَّمَاءِ بِمَاءٍۢ مُّنْهَمِرٍ، وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ)، وقوم عاد عاقبهم بريح صرصرٍ عاتية، وثمود أرسل عليهم الصيحة، فكانوا كهشيم المحتضر، وقوم لوط أرسل عليهم حاصباً. وبعد ذكر كل قوم وما أهلكهم به، يقول تعالى: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)، وقد تكررت في السورة أكثر من خمس مرات لبيان الوعيد الشديد.. وحيث إنني لستُ متخصصة في الشريعة، ولكن أقرأ وأعي. وهكذا هي السنن الكونية الإلهية لا تتغير بتغيُّر الأمم والأيام.

ولكن الكاتب أيضاً يُرجع هذه الكوارث إلى التقلبات المناخية.. وهذا صحيح، ولكن حتى التقلبات المناخية، هي بيد الله عز وجل، يُحرِّكها حيث ومتى يشاء.. وليس كما يدّعي دعاة العلمانية أن كل شيء يخضع للطبيعة المادية، وتمركز الإنسان حول الطبيعة، والخضوع لها والإذعان لقوانينها، ولكن للأسف أصبح بعض من كتابنا يتمثلون العلمانية أكثر من دعاة العلمانية أنفسهم! والله سبحانه يقول: (ومَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا).

ولستُ هنا أُرجع ما أنزل الله من كوارث على أهلنا في المغرب وليبيا أنه عقاب إلهي، حاشا لله، بل تفطرت قلوبنا من حجم الكارثة، وما أصعب أن يستفيق المرء ويعايش دماراً وغرقاً وهلاكاً، واختفاء مبانٍ ومنازل بأكملها، ووصولها إلى عرض البحر في دقائق معدودة؛ ويبقى آخرون تحت الأنقاض، ليالي وأيام، قبل أن يخرجوهم وهم فاقدة القدرة على الحديث من هول الصدمة، وربما وحتى أن شفيت أوجاعهم الجسدية، فإن أوجاعهم النفسية ستستمر طوال حياتهم، فهي لحظات الفاجعة التي لا تنسى.

ولكن نحسب الأموات منهم شهداء عند الله يرزقون، في جنات النعيم؛ فمن مات دون نفسه فهو شهيد، والغريق شهيد، وصاحب الهدم شهيد.. وربما اشتاقت الجنان إلى أن تزف الحور العين، والولدان المخلدون وشباب أهل الجنة كاللؤلؤ المنثور. وأما الأحياء منهم، فالكوارث المؤلمة لهي أجور مضاعفة بإذن الله جراء صبرهم على المصاب: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ).

حتى وإن ربط بعضهم هذا الزلازل والأعاصير بنظرية المؤامرة، وأن تفجيرات نووية في أعماق البحر وفي باطن الأرض قد حدثت لفناء بعض البشر، وإبقاء فقط (المليار الذهبي)، وهي أفكار الماسونية؛ وأن أقواماً في الشرق الأوسط وإفريقيا عالة وعبء على الكرة الأرضية لنقص الموارد، ويجب التخلص منهم!! وحتى إن فعلوا ذلك، فهو بأمر الله سبحانه وتعالى وقدرته وحكمته.

ما أود التأكيد عليه هو: أن قراءة القرآن والتفكر والتدبر فيه وفي كل آية هو عبادة ومطلب ديني وقيمي، وليس مجرد القراءة العادية دون الفهم، وبعض من تلك الآيات تجعل القلب يرتعد خوفاً، فإذا كانت الزلازل والفيضانات وغيرها هي للكفار عذاباً وانتقاماً.. فإنها للمسلمين امتحاناً وابتلاءً، ولتذكير الناجين بعظمة الله وقدرته، وضرورة التوبة والإنابة إليه، واستغفاره، فما بالنا لا نلقي لذلك بالاً، وندعي أنها من السنن الكونية أو الطبيعية فقط، وقد حدثت رجفة في المدينة في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: «لأن عادت لا أساكنكم فيها أبداً..»، وفعل ذلك لأنه يؤمن بالآية الكريمة: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)، ولم يقل صالحون.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store