Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. بكري معتوق عساس

النفع المتعدي

A A
إن من أعظم الأعمال التي يقوم بها الإنسان أجراً وأكثرها مرضاة لله سبحانه وتعالى، هي تلك الأعمال التي يتعدى نفعها إلى اُناس آخرين، لأن نفعها يعود إلى أُناس محتاجين لها؛ وعندها يكون النفع عاماً لجميع الناس، وهي ما تسمى بالنفع (المتعدي)، بخلاف ما يسمى بالنفع (القاصر) وهو العمل الذي يقتصر نفعه وثوابه على فاعله وحده فقط دون الآخرين، كالعبادات من صلاة وصوم وزكاة وحج واعتكاف ونحو ذلك.

وجاء في السير أن النفع المتعدي كان طريق الأنبياء والرسل ومن سلك مسلكهم واقتفى أثرهم؛ فالرسل هم أنفع الناس للناس، وأكثرهم قضاءً لحوائج الناس، ونفع أنبياء الله ورسله للناس لا يشمل أمور الآخرة فقط، بل كذلك أمور الدنيا.

فهذا نبي الله (يوسف بن يعقوب) عليه السلام وقصته في تولي خزائن الأرض لعزيز مصر فأصبح في تلك الحظة أشبه ما يكون بوزيرٍ للمالية عند عزيز مصر، فكان في ذلك النفع والنجاة من السنوات الشداد التي أصابت البلاد: «قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم» [سورة يوسف:55].

وقصة (موسى بن عمران) عليه السلام لما ورد ماء مدين وجد عليه مجموعة من الناس يسقون، ووجد من دونهم امرأتين مستضعفتين، فرفع الحجر عن البئر، وسقى لهما حتى رويت أغنامهما.

وخاتم النبيين والرسل نبينا (محمد بن عبدالله) صلى الله عليه وسلم، وصفته أم المؤمنين (خديجة بنت خويلد) رضى الله عنها: «كلا والله ما يحزنك الله أبداً؛ إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق».

حتى الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين كانوا يساعدون المحتاجين، فهذا (أبو بكر الصديق) رضى الله عنه عندما أراد قومه أن يخرجوه، قال له (ابن الدّغنة) المشرك بدين محمد عليه الصلاة والسلام: «إن مثلك لا يخرج ولا يخرج؛ فإنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق».

والخليفة الراشد (عمر بن الخطاب) رضي الله عنه كان يتعاهد بعض الأرامل، فيستقي لهن الماء بالليل ورآه طلحة بالليل يدخل بيت امرأة، فدخل إليها طلحة نهاراً فإذا هي عجوز عمياء مقعدة، فسألها: ما يصنع هذا الرجل عندك؟ قالت: هذا له منذ كذا وكذا يتعاهدني، يأتيني بما يصلحني ويخرج عني الأذى.. فقال طلحة: «ثكلتك أمك يا طلحة عثرات عمر تتبع»!

وورد أن علي بن الحسين -رضي الله عنهما- كان يحمل الطعام إلى بيوت الفقراء في ظلام الليل، فلما توفاه الله فقدوا ذلك، لدرجة أن إسحاق ذكر: «أنه كان من أهل المدينة يعيشون ولا يدرون من أين يأتي معاشهم».

وأختم بقصة (موسى والخضر) عليهما السلام وخبر ذينك الغلامين اللذين دفن أبوهما تحت جدار البيت (كنزاً) مدخراً.. فمات وهما صغيران، فتداعى الجدار مع الزمن.. وكاد أن يسقط، فأقامه الخضر وكان سبباً في حفظ مال الغلامين.

هكذا هم الصالحون إذا وجدوا فرصة لنفع غيرهم، قاموا بها وعدوا ذلك من أفضل أيامهم وأعمالهم.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store