Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
طارق علي فدعق

القنـــــــصل

A A
القدس الشريف مدرسة إنسانية، وعمرانية، وسياسية رائعة.. تاريخها يعكس تاريخ العالم بأكمله.. من يدرس هذه المدينة المقدسة سيجد حكايات رائعة، أغلبها منقوشة على حجارتها، وأزقتها، وفراغاتها المختلفة.. وهي مدينة شجاعة حافظت على المقدسات عبر التاريخ، فقاومت الحروب، والاحتلال، والغزو، والتكسير، والتجاوزات الإنسانية، والجنون بأشكاله وأنواعه.. وبالرغم من صِغَر مساحة المدينة التاريخية التي تبلغ حوالي تسعمائة ألف متر مربع فقط، أي ما يعادل مساحة حوالي ثمانين ملعب كرة قدم فقط، إلا أنها تعكس العديد من الصراعات العالمية في المجالات الدينية، والسياسية، والعسكرية. وبعض من أهم تلك الصراعات كانت تدور حول رعاية أهم كنيسة في العالم، وهي كنيسة القيامة، التي تقع في الحي المسيحي بالقرب من المسجد الأقصى في وسط المدينة.. كانت تتنافس على رعايتها طوائف مسيحية مختلفة أبرزها الأرثوذكسية الروسية، والكاثوليكية المشرقية، والبروتستانتية.. وتصعد التنافس بين الأطراف الراعية لتلك الطوائف؛ ليصل إلى مستوى الصراعات في منتصف القرن التاسع عشر، وتسبب في قيام أول الحروب العالمية «غير الرسمية»، وهي حرب القرم الأولى بين الإمبراطورية العثمانية، وفرنسا، وإنجلترا من جانب، وروسيا من جانب آخر.. وتسببت تلك الحرب التي استمرت لمدة سنتين ونصف، وشارك فيها أكثر من مليون جندي، في مقتل أكثر من ستمائة ألف إنسان.. وبعد انتهاء الحرب تم تعيين قناصل لفرنسا، وإنجلترا، وروسيا في القدس، وكانت أدوارهم الصورية هي تمثيل بلادهم ورعاياهم في بيت المقدس، ولكن الواقع كان غير ذلك.. اهتمام القناصل الأساس كان منصبًّا على المهام الاستخبارية، وتأكيد مصالح بلادهم في المنشآت المقدسة.. يعني الموضوع باختصار أن قناصل الدول الكبرى وضعوا لتأكيد استراتيجيات الدول الكبرى على المقدسات، ولكن في الظاهر كانوا يقومون بمهام تشمل الأنشطة الثقافية، والفنية، والدبلوماسية.

الخبر المهم في موضوعنا، هو تعيين السفير نايف بن بندر السديري سفيراً فوق العادة ومفوضاً (غير مقيم) لدى فلسطين، وقنصلاً عاماً في مدينة القدس، ليكون بذلك أول سفير سعودي لدى فلسطين.. هذا الدبلوماسي المخضرم سيُمثِّل الوطن بتوفيق الله في هذه المسؤوليات المهمة، وقد عرفتُه شخصيا كأخ وصديق، وكأحد سفراء المملكة المتألقين - خلقاً وعلماً - عندما كان سفيراً للوطن في كندا في الفترة 2014 إلى 2018.. حيث حصل سعادته على الثقة الملكية الكريمة، وعلى المسؤولية الكبيرة، بعد أكثر من ثلاثين سنة من التألق في عالم الدبلوماسية في الشرق والغرب.. وهو من خيرة مَن سيقوم بتوفيق الله بمهام «قنصل الخير» في القدس الشريف.. فقد كانت ولا تزال المملكة في مقدمة الدول الداعمة للمساعدات الخارجية الإيجابية في المجالات الإنسانية المختلفة، وفي المشاريع التنموية الهادفة لتحسين أوضاع الشعوب المختلفة شرقاً وغرباً، والحمد لله أن الأراضي الفلسطينية شاملة القدس، ستشهد المزيد من الاستثمارات السعودية التنموية الإيجابية لمصلحة الشعب الفلسطيني الشقيق.

* أمنيـــــة:

بتوفيق الله، كانت وستكون السعودية دائماً موجودة في فلسطين بشكلٍ أو بآخر.. واليوم فتحت صفحة جديدة إضافةً إلى صفحاتها السابقة - ناصعة البياض - من خلال تعيين أول سفير لها في دولة فلسطين، وقنصلية الخير في القدس الشريف للمزيد من المشاريع التنموية للإنسان والعمران في فلسطين، أتمنى أن يسطر التاريخ هذه الإنجازات بمصداقية بمشيئة الله عز وجل، وهو من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store