Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. بكري معتوق عساس

البكاء الصامت!!

A A
كتاب ماتع يستحق القراءة لمؤلفه الكاتب والمؤرخ المصري «فريد الفالوجي»، الكتاب بعنوان: «البكاء الصامت - دراسة سيكولوجية عن دموع المشاهير والعظماء».

يقول المؤلف: إن بعض الدموع المنهمرة من العيون تكون غالية، وبعضها ليس كذلك، منها صادقة ومعظمها كاذبة، وعلى الرغم من كل ذلك، تظل الدموع لغة عالمية مفهومة بلا قاموس أو دروس، يفهمها الصادقون ويحسها النصابون، ثم يعمل كل منهم وفقاً لرسالتها وقوتها في فؤاده أو أثرها على خديه.

معروف أن العين لا تبكي إلا إذا بكى القلب، والقلب لا يبكي إلا إذا اشتد وقع الهم عليه، والهم هو الحمل الثقيل على القلب الذي يطبق على الصدر، فيجعل التنفس مستحيلاً، وعندها تنهمر الدموع من العيون بغزارة.

لقد تربينا جميعاً على مقولة: إن البكاء غير محبب، وعيب، خاصةً للرجال، إلا أن البكاء في الواقع نعمة كبرى خص بها الخالق جل جلاله بني البشر، حيث إنه يعمل على تخليص الجسم من السموم، وتقوية الجهاز المناعي من خلال خفض التوتر، كما أنه يساعد على خفض ضغط الدم بعد الانتهاء منه.

وحول ذلك، وجهت الطبيبة الأمريكية «فيرا دايموند» نصيحة لمرضاها مضمونها: «ابكوا واصرخوا وانزعوا ما في صدوركم ما دمتم داخل بيوتكم».

إن المرأة، ولطبيعة فطرية لديها، نجدها أكثر بكاءً من الرجل، ودموعها هي سلاحها الأشد فتكاً وضراوة، مقارنةً بالرجل الذي بكاؤه شائك، ويختلف من رجل لآخر.

فالفنان - والكلام للمؤلف- تنهمر دموعه أمام مشهد طفل يتيم، أو شخص معاق يتألم، أو آخر ينام في المستشفى وقد أعياه المرض، كما أن الشاعر المرهف غالباً يتأثر عند غروب الشمس.

كذلك الحكام والقادة الذين وضعت بين أيديهم مصائر شعوبهم، بعضهم بكى في مواقف محددة، فشاه إيران، الذي وُلِدَ على سرير من ذهب، من أسرة حكمت بلاد فارس لقرون، وجلس على كرسي الحكم، بكى عندما أقلَّته الطائرة مبعداً عن بلاده بعد ثورة عام 1979م.

وبعد هزيمة مصر في 1967م، كان عبدالناصر يبكي الهزيمة في خطاب التنحي الشهير، بصوته المخنوق الحزين، فمس مشاعر الملايين من العرب والمصريين، وزلزل أعماقهم، وانطلقت حناجرهم بالبكاء والنحيب.

هتلر هو الآخر، عندما هُزِمَت جيوشه، انهار باكياً بمرارة بين أحضان عشيقته، قبل أن يطلق الرصاص على رأسها ثم انتحر.

الملك النعمان بن المنذر المعروف بقتيل الوشاية، بقي لأيام يبكي الهوان في سجون كسرى قبل إعدامه تحت أقدام الفيلة.

وأخيراً شاعر الحب كما كان يلقب، «نزار قباني»، كان مرهف الحس سريع التأثر، وجد زوجته في المستشفى جثة هامدة نتيجة قصف السفارة العراقية في بيروت عام 1981م التي كانت تعمل فيها، فارتمى منهاراً يحتضنها ويردد: قتلوكِ يا بلقيس؟.

إنها لحظات نادرة أرخها هذا الكتاب في دراسة نفسية جميلة؛ عن دموع المشاهير والعظماء!!.

سطرت الدراسة ذروة تفاعل المشاعر والأحاسيس عند هؤلاء؛ الذين انسابت دموعهم حرقةً ولوعةً وألماً في بكاء صامت، مُغلَّف بصدمة المحن والهزائم.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store