Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. علي آل شرمة

المملكة تحفظ الملكية الفكرية.. وتدعم المبتكرين

A A
اهتمام كبير توليه السعودية لقضية الملكية الفكرية، التي أصبح يُنظر لها على نطاق واسع بأنها إحدى أكثر القضايا إلحاحاً في عالمنا المعاصر، وذلك نسبةً للارتباط الكبير بينها وبين الاقتصاد القائم على الابتكار والمعرفة، كما أن الاعتداء على هذه الملكية يتسبب في ضياع حقوق من اجتهدوا وأصابوا النجاح، وكذلك للشركات التي تبذل الكثير لتجويد منتجاتها، والوصول بها إلى درجات متقدمة من الجودة، لكن وفي حين غفلة، يأتي من يسمح لنفسه بالسطو على هذا المجهود، ويقطف ثمار النجاح بدون وجه حق.

هذا التعدي على حقوق الملكية الفكرية؛ هو الذي بات يطلق عليه مسمى «الغش التجاري»، حيث تتجرأ العديد من الشركات المجهولة من دول عديدة على انتحال اسم وصفة شركات أخرى ناجحة، وتقوم بتقليد منتجاتها وبيعها بأسعار متدنية وجودة أقل بالتأكيد. وهذه المنتجات تشكل خطورة كبيرة على صحة المستهلكين، وتهدد سلامتهم، لأن مواصفات تلك السلع المقلدة تقل بالتأكيد عن المواصفات القياسية المعتمدة، وهذا هو السر في انخفاض أسعارها، لأنها تستخدم مواد رديئة.

فالمؤسسات المعروفة التي تنتج السلع الأصلية، وتتبع الاشتراطات الصحية، تنفق في سبيل ذلك الكثير من المصاريف، لذلك فإن ما تتعرض له من منافسة بواسطة الشركات المجهولة تعتبر منافسة غير عادلة، لأن الشركات المجهولة تنتج سلعاً رديئة النوعية بمعدلات جودة متدنية، وهو ما يلحق خسائر كبيرة بتلك الشركات، ربما يدفعها للخروج من السوق في نهاية المطاف، وهو ما يهدد الاقتصادات الوطنية.

كذلك فإن هذه الشركات والمصانع المجهولة التي تنتج السلع المقلدة والمغشوشة؛ لا تقوم بتسديد الرسوم والضرائب النظامية، وليست ملتزمة بكافة الأنظمة المرعية. كما أنها ترتبط ارتباطاً مباشراً بغسيل الأموال والتستر التجاري، لأنها تعتمد أساساً على التهريب، ولا تقوم بإدخال منتجاتها عبر الطرق النظامية.

كذلك فإن من أكبر عناصر الخطورة، أن معظم السلع المقلدة الموجودة في الأسواق؛ ترتبط مباشرة بالصحة العامة للمستهلكين، وغالبيتها من المواد الغذائية والأدوية والعقاقير الطبية، أو مستحضرات التجميل والعطور. حتى الملابس المقلدة يكون لها في معظم الأحيان تأثيرات سالبة على صحة المواطن، وقد تتسبب في إصابته بالحساسية، وهو ما يضطره للبحث عن العلاج، وإنفاق الكثير من المصاريف التي قد تفوق سعر السلعة الأصلية.

وهناك خيط رفيع يربط بين انتشار السلع المقلدة وتراجع حقوق الملكية الفكرية، ومن المؤسف أن كثيراً من جامعاتنا الوطنية تبذل جهوداً مضنية لدعم الأبحاث العلمية، وتنفق في سبيل ذلك ميزانيات هائلة، وتقوم بتسجيل براءات الاختراع وحقوق الملكية الفكرية، لكنها تكتفي بهذا القدر دون أن تتحول تلك الاكتشافات العلمية إلى منتجات على أرض الواقع، ويكون لها تأثير على حياة البشر، وتحقّق في ذات الوقت عائدات مالية تسهم في تمويل المزيد من البحوث العلمية.

ولأن المملكة في عهد رؤية 2030 تسعى إلى تصحيح كثير من السلبيات الموجودة منذ وقت طويل، فقد أعلن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان خلال الفترة الماضية عن إطلاق الاستراتيجية الجديدة لجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، وتحويل العلوم والأبحاث إلى ابتكارات ذات مردود اقتصادي، وتشجيع الاستثمار التجاري.

هذا التوجه الذي أفرح المخترعين والعلماء والكوادر الوطنية الشابة، سيكون له ما بعده، وسيسهم بدون شك في إنعاش الحركة الفكرية والعلمية، لأن جهود هذه الكفاءات لن تضيع سدى، وسيجدون الحاضنة التي ترعاهم، وتقدم لهم العون والتمويل الذي يعينهم على الاستمرارية.

ومع التسليم التام والتقدير الكامل للجهود التي تقوم بها الأجهزة المختصة في محاربة السلع المقلدة والمغشوشة، إلا أن هناك حاجة ماسة لمضاعفة تلك الجهود، لأن هذه السلع تحاصرنا في كافة الأسواق والمحلات، وأصبحت بمثابة وباء يهدد سلامة المواطنين والمقيمين، ولا بد من تشديد العقوبة على المخالفين، وأن تصل عقوبة كل مَن يقوم بترويج هذه السلع أو بيعها إلى إغلاق المنشأة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store