Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد عجب

ملهي الرعيان

A A
ملهي الرعيان، لمن لا يعرفه، هو طائر صغير ليّن الريش، دائماً ما يحط بين الإبل والأغنام، مبدياً الضعف والهوان، ليغري الراعي فيتعقبه على أمل اصطياده، لكن ذلك (الملهي) ليس سهلاً ولا ساذجاً كظاهره، حيث يستمر بمناورة الطيران لمسافات قصيرة، والراعي يترقبه ويغزي خلفه، قاطعاً الحقول والزرائب والأودية، قبل أن يتفطن لمكيدته، وقد أضاع قطيع ماشيته، وابتعد عن أهدافه الرئيسية!!

في حياتنا الاجتماعية، هناك نماذج بشريه تشبه إلى حد كبير طائر (ملهي الرعيان)، حيث تغريك بريشها الناعم وملامحها البريئة، وتظل تفرفر وتنطنط من حولك، حتى تتعقبها وتسير خلفها، قبل أن تتفطن متأخراً لخداعها وحقيقة مكائدها، وقد أخذتك بعيداً عن رعيتك، عن واجباتك، عن مهامك الأولية!!

نشطت بالآونة الأخيرة: حركة (النسوية)، التي تنتحل فيها الناشطة شخصية المستشارة الأسرية، فتحط بين رواد مواقع التواصل، مبدية الطيبة والحرص على حقوق المرأة، لتغري بكلامها المعسول ونصائحها الكيدية تلك الزوجة الساذجة، فتتعقبها على أمل الخلاص من مشاكلها، قاطعة زرائب المبادئ والأعراف المتوارثة، قبل أن تفطن بعد الطلاق بأنها أضاعت زوجها، أسرتها، بيتها، وهي تلاحق (ملهي الرعيان)!!

نشطت بالآونة الأخيرة: حركة (الوصولية)، التي يلعب فيها أحد الموظفين المطبلين دور البائس المضطهد، فيحط بمكاتب زملائه المجتهدين، مبدياً الضعف والهوان، فيتشكى من تعنت صناع القرار والمديرين، ليغري بلطفه وحنيته ذلك الموظف المكافح، فيتعقبه ويجاريه بالنقد البناء، قبل أن يتفطن لمكيدته ولعبته القذرة، وقد نقل الكلام الذي دار بينهما بصيغة عدائية، وسمع به كافة منسوبي المنشأة، لتضيع علاوته وترقيته، وهو يلاحق (ملهي الرعيان)!!

نشطت بالآونة الأخيرة: حركة (الجاهية)، التي يحتشد فيها تجار الدم مرتدين مشالح بعض وجهاء القبيلة، فيحطون رحالهم أمام بيت ذوي الضحية، كوسيلة ضغط عليه ليقبل التنازل عن القصاص بتلك الجريمة البشعة، التي لا تزال مقاطعها المستفزة متداولة، مبدين الشيمة والنخوة، ليغري فعلهم بعض المشاهير والشخصيات العامة، فيتعقبونهم دون دراية، دائسين على جراح وآلام أولياء الدم، قبل أن يفطنوا مع هجوم المغردين الغيورين، وفضح ماضيهم، إلى أنهم أضاعوا ما تعلموه من الطباع الإنسانية الحميدة، وهم يلاحقون (ملهي الرعيان)!!

طبعاً، بعد هذه الأمثلة الحية لابد وأنه صدح بمخيلتك عزيزي القارئ نماذج مختلفة لطائر (ملهي الرعيان)، مثل ذلك الصديق الفاضي الذي ينطنط ليل نهار أمام منزل صديقه ليأخذه بطلعة بعيداً عن واجباته المنزلية، مثل ذلك المحلل الرياضي الذي ينطنط خلف الشاشة بتصريحاته المتعصبة فيأخذ الجماهير والمنظومة الرياضية بعيداً عن أهدافها الحقيقية، مثل ذلك التاجر الذي ينطنط بلقاءاته الإعلامية سارداً أكاذيب رحلة كفاحه (من الصفر) فيأخذ رواد الأعمال الجدد لحافة التفليسة!!

ملهي الرعيان، وإن تسبب في إبعاد الراعي عن أهدافه الحقيقية، إلا أنه لا يحمل في قلبه -مثل بني البشر- الغل والحقد والحسد، وربما لو قدر له ووقف امام (المرآة) لتقهقر مذعوراً، وهو يتحسس تقاسيم وجهه، بعد أن رأى نفسه بهيئة إنسان يظهر ابتسامة الشماته تجاه أخيه الذي أطمئن له، ثم غدر به!!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store