Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
طارق علي فدعق

طبــــــــــــخ

A A
عالم الكيمياء مليء بالمفاجآت العجيبة، ويتحقق ذلك من خلال الجهود البحثية المتقنة، ومن خلال التطبيقات المعملية الرائعة؛ التي تشمل «الطبخ» المتقن للمنتجات التي غيرت حياتنا.. وفي زمن الحروب يبحر الإبداع العلمي في عالم الدمار بطرقٍ عجيبة.

خلال الحرب العالمية الأولى عام 1914 تم توليف خلطة خاصة لتصنيع مذيب الأسيتون بكميات ضخمة.. وهذا المنتج، الذي تستخدمه السيدات في تجميل الأظافر؛ له استخدامات عجيبة في تهذيب وتصنيع البارود، لتخزينه على متن السفن الحربية العملاقة، وتقليل مخاطر انفجاره.

ونجح العالم الروسي الأصل، البريطاني الجنسية، «حاييم وايزمان» في إيجاد طريقة في تصنيعه، فتحوَّل تاريخ الحرب البحرية البريطانية، وكانت فرحة الحكومة البريطانية عظيمة بهذا المنتج.

وفي الواقع، فقد مهد الأرضية لوعد بلفور المشؤوم بتاريخ 17 نوفمبر 1917.. وكان الوعد من الحكومة البريطانية لتكوين الكيان الصهيوني في فلسطين.. وللعلم، أصبح العالم «وايزمان» أول رؤساء المنظمة الصهيونية عام 1947، ثم للكيان الصهيوني بأكمله في 16 فبراير 1949.. وخلال سنوات الحرب العالمية الأولى أيضاً، شهد العالم أحد أهم اختراعات الكيمياء في تاريخ البشرية.. في ألمانيا، تم استخراج مركب «الأمونيا» من غاز النيتروجين من الهواء.. وكانت مهمة شبه مستحيلة.. ولكن العالم الألماني «فريتز هابر» طبخ الهواء بعبقرية، فأنتج الأمونيا بكميات وفيرة لتصنيع المتفجرات بنجاح.. والأهم من ذلك أنه نجح في توفير «اللقيم» الأساس لتصنيع السماد الصناعي الذي رفع الإنتاجية الزراعية حول العالم إلى يومنا.. ونجح هذا العالم الفذ في استخدام مجموعة عناصر أهمها البروم، والكلور، كأسلحة فتاكة ضد أعداء ألمانيا من الإنجليز، والفرنسيين، والروس.. وخلال سنوات الحرب العالمية الأولى أيضاً تم طبخ الحديد الصلب مع عناصر جديدة، وأهمها «المولي بيدونم»، ليتحمل درجات الحرارة الهائلة بداخل المدافع العملاقة.. وكل هذا الطبخ كان في سريةٍ تامة، ولم تظهر تفاصيله إلا بعد نهاية الحرب.

وأما في الحرب العالمية الثانية، فكان دور الكيمياء أكثر تأثيراً، فبالإضافة إلى استخدام العناصر الجديدة مثل: «التنجستون» في القذائف لتقويتها، تم طبخ مجموعة من العناصر التي غيَّرت تاريخ العالم بأكمله.. بالذات عنصر اليورانيوم، وأولاد عمه المشعين «المشعشعين»، وعلى رأسهم عنصر البلوتونيوم.. كانت الطبخات والخلطات تستخدم كمكونات القنابل النووية التي ضربت مدينتي «هيروشيما» و»ناجازاكي» في اليابان، لتنتهي الحرب العالمية، وتفتح أبواب صراعات عالمية من نوع آخر.. وخلال سنوات الحرب أيضاً، تم اختراع قنابل «النابالم» وتجربتها من خلال طبخات مختلفة تم تطويرها في قسم الكيمياء في جامعة «هارفارد» عام 1942.. واستخدمت خلطات الفسفور لرفع فعالية القنابل الحارقة، التي كانت تستهدف المدن.

وكل هذه الأبحاث والطبخ كانوا في سريةٍ تامة، ولم تظهر تفاصيلهم إلا بعد نهاية الحرب.. فضلاً لاحظ أن الطبخ المذكور أعلاه في الحرب العالمية الأولى كان مركّزا على تطوير قدرات المدفعية، والأسلحة المستخدمة في المعارك بين القوات العسكرية، وأما خلال الحرب العالمية الثانية، فشهد العالم درجة انحطاط إنسانية كبرى، انعكست في فنون قتل المدنيين وتدمير المدن.. وللأسف أنها مستمرة إلى اليوم.

* أمنيــــــة:

المفروض أن يخجل العالم من الإبداعات في فنون قتل المدنيين، والجهود الهادفة لرفع فعاليتها.. أتمنى أن يكرس العلم بشكل عام، شاملاً الكيمياء وفروعها الجميلة النظرية والتطبيقية، في خدمة البشرية، بعيداً عن قتل الأبرياء، في فلسطين وفي كل مكان. والله يرحم الشهداء، وهو من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store