Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد بشير كردي

درسٌ من التاريخ!

A A
من لندن عاصمة بريطانيا؛ أمُّ الأذى والضرر يوم كانت إمبراطوريَّة عُظمى لا تغيب الشمس عن ممتلكاتها، عمَّت الكوارث والنكبات معظم عواصم العالم ومدنه كافَّة التي أخضعتها لسيطرتها.. لتتبعها واشنطن؛ عاصمة (العالم الجديد) التي يتحكَّم الصهاينة برسم خططها وإدارة سياساتها، وفرض هيمنتهم على قرارات وتوصيات مجلس النواب (الكونغرس) الذي يسيطر عليه أيضًا صهاينة يهود وسواهم من (اليمين المسيحي الجديد) الذين يتحكمون باقتصاديات العالم، وصنَّاع القرارات والتوصيات كعائلة روتشيلد يهوديَّة الديانة، وداعمة الصهيونيَّة العالميَّة من خلال تحكُّمها المباشر بصناديق النقد العالميَّة، وطبع الدولار الأمريكي، فتحكَّم الصهاينة بالاقتصاد العالمي، وفُرض الدولار الأمريكي الورقي عملة التبادل التجاري بين الدول، ومن ثمَّة تبنيِّها قيام دولة يهوديَّة فوق الأرض الفلسطينية لتتحكَّم بطرق التجارة العالميَّة وتحقيق مصالح الغرب الأوروبي الاستعماري في نهب ثروات شعوب الشرق الأوسط، وسلب مدَّخراتهم بتسهيل بريطانيا التي انتدبتها الأمم المتَّحدة لحكم فلسطين، وتسهيل هجرة اليهود وتشجيعها إلى فلسطين العربيَّة للاستيطان بتهجير سكَّانها العرب إلى دول الجوار، ومنها إلى شتات أرض الله الواسعة بالترغيب وبالترهيب. من اليوم الأوَّل لقيامها، اعترفت الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة بإسرائيل عام 1948 وفقًا لقرار الأمم المتَّحدة تقسيم فلسطين بين العرب واليهود... وساهمت في هجرة يهود أُوروبا خاصَّة إلى فلسطين والإقامة في ممتلكات أهلها العرب الأصليين.

جوبه هذا القرار الجائر برفض عربي عام.. وحصلت صدامات مسلَّحة بين عرب فلسطين واليهود الصهاينة، وما تزال مستمرَّة حتَّى اليوم -قصر الزمن أو طال- الذي يحزم فيه الصهاينة اليهود الغرباء أمتعتهم ويرجعوا إلى بلدانهم الأصليَّة تمامًا كما رجع المستوطنون الفرنسيَّون من الجزائر العربيَّة إلى فرنسا الأوروبية بعد احتلال للجزائر دام مئة وثلاثين عامًا، أنهته حرب التحرير لسبع سنوات، واستشهد فيها مليون وخمس مئة ألف جزائري.. وعلى خطى الجزائر في الخلاص من الاحتلال، تسير الفصائل الفلسطينيَّة هذه الأيَّام للخلاص من الاحتلال الصهيوني؛ مقدِّمة عشرات الآلاف من الشهداء في صدامات غير متكافئة وقدرات المحتلِّ الإسرائيلي الذي عجز عن مواجهة مقاوميه، فبدأ في هدم ممتلكاتهم وتدمير البنية التحتيَّة لقطاع غزَّة للقضاء المقاومة وشعبها بتجويعهم وحرمانهم من أدنى متطلِّبات الحياة والسلامة.

وعلى غير المتوقع، جوبه بصمود سكَّان القطاع وتعاطف الشرفاء في بلدان العالم كافَّةً الذين أظهروا بمظاهرات تدين إسرائيل وتطالبها بالتوقف الفوري عن حصارغزَّة والسماح بدخول الدواء والطعام والمساعدات الإنسانيَّة إلى القطاع، وتعلن تضامنها مع الشعب الفلسطيني في كفاحه لإنهاء الاحتلال الصهيوني.

ذكرتني هذه الحشود والمظاهرات الصاخبة بمثيلاتها في خمسينيَّات القرن الماضي، وأنا طالب في ثانويَّة تجهيز البنين الأولى بدمشق، وبغليان ساحتي التجهيز الأرضيَّة والعلوية بالطلبة وهم يرصُّون صفوفهم للخروج بالمظاهرة إلى الشارع يصدحون بمطلع نشيد حماسي كان يردَّد أيَّام الاستعمار الفرنسي لسورية: «يا ظلام السجن خيِّم إنَّنا نهوى الظلاما، ليس بعد السجن إلَّا فجُر مجدٍ يتسامى»، تأييدًا لثورة الجزائر التي احتلَّتها فرنسا قرابة مئة وثلاثين سنةٍ بزعم أنَّ أرضها امتداد للتراب الفرنسي في أوروبا وأنَّ على ذوي الأصول الأفريقيَّة الرحيل عنها أو مواجهة القتل!

في تلك الأيَّام كان يقود الحراك الجزائري تياران؛ واحدٌ عربي ناصري، يقوده أحمد بن بلَّلا المتأثر بالزعيم المصري جمال عبدالناصر، وتيارٌ إسلامي أمازيغي يقوده محمَّد إبراهيم بو خروَّبة، المعروف بـ(هواري بو مدين) رحمه الله، وكان يعمل لتطبيق الشريعة الإسلاميَّة.

وبخلافات بين الرئيس بن بلَّلا وقائد الجيش هواري بو مدين، انتهت بإقصاء بن بلَّلا من سدَّة الرئاسة، وتسلَّمها القائد العسكري بو مدين، وتكليف قادة الجيش الجزائري بأمور الحكم بحنكة وحكمة ممَّا أتاح للجزائر مكانة مرموقة في المحافل الدوليَّة. والأمل معقود بالله في أن ينال الفلسطينيون حريَّتهم ويتخلَّصوا من الاحتلال الصهيو- أمريكي المغلَّف بقناع يهودي صهيوني أوروبي ويعودوا لتسنُّم مقعدٍ حضاري بين الأممِ، وليس ذاك عن التاريخ، ولا على الله بغريب.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store