Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
طارق علي فدعق

شـــــــــيطنة

A A
العنوان يرمز إلى التصرفات التي تحاكي أنشطة الشيطان.. وتشمل الشر والضرر.. وسأركز على عالم الكيمياء، فقد أنعم الله عز وجل علينا بحوالى أربعة وتسعون عنصرا طبيعيا، كلٍّ بصفاته الخاصة.. بعضهم «تنابل» لا يتفاعلون، مثل الغازات النبيلة.. ومنها «الهليوم»، و»الأرجون»، و»النيون»، و»الزينون».. وبعضهم في قمة النشاط و»العفرتة» لدرجة أنهم ممكن أن يشعلوا النار في الماء البارد، مثل الليثيوم، والصوديوم.. وبعضهم لا «يطيقون أنفسهم» بسبب حجم النواة بداخل ذراتهم.. تجدهم يصدرون الإشعاع بدون أي سبب.. مثل اليورانيوم.. وهناك الفسفور، فهو من العناصر المقرونة بالشيطنة، فهو يتفاعل بعنف مع الهواء والماء، والعديد من العناصر الأخرى.. مثل بعض الناس الذين يعشقون النكد.. وإحدى خصائص الفسفور هي علاقته مع الضوء، فهو يحتضنه، ثم يعيد إطلاق طاقته فيُضيء بيئته، ولذا فالاسم «فوسفوروس» اللاتيني معناه: «جالب الضوء».. وأطلق عليه هذا الاسم عند اكتشافه عام 1669 على يد الألماني «براند» في مدينة هامبورج.. وهناك نقطة تستحق وقفة تأمل، فإحدى أسماء إبليس باللغة اليونانية القديمة هي «لوسي فر»، ومعناها «جالب الضوء» أيضاً. وإطلاق نفس الصفة بلغتين مختلفتين لم يكن مجرد صدفة.. عنصر الفسفور كان مقروناً بالشيطان نظراً لعلاقته مع النار، ولخصائص اشتعاله المذهلة، علما بأنه يوجد في حالات (متآصلات) عديدة، ومنها الأبيض الجنوني، والأحمر المستقر، والبنفسجي، وغيرهم.. وللعلم، فبعض من أهم التطبيقات التاريخية كانت أعواد الكبريت، والتي اشتهرت باسم «لوسي فر».. ولكن هناك المزيد.. أتذكر أن إحدى أجمل المدن التي زرتها كانت ميناء «هامبورج» الألمانية.. واشتهرت تلك المدينة بعدة أحداث تاريخية، ومنها أنها كانت أول مدينة تشتعل بقنابل الفسفور الأبيض الحارقة في إحدى أشد الغارات ضد المدنيين خلال الحرب العالمية الثانية.. وتحديدا كانت «عملية غامورة» الليلية في الفترة 25 يوليو إلى 2 أغسطس 1943.. أشعلت قاذفات القنابل البريطانية النيران في المدينة التي كان عدد سكانها حوالى المليون، وتسببت في قتل حوالى أربعين ألف إنسان، وشردت حوالي ثمانمائة ألف من سكان المدينة.. واشتهرت الغارة بظاهرة العواصف النارية التي كانت تولد رياحا ملتهبة بسرعات تصل إلى أكثر من مئتي كيلومتر في الساعة، وبقوة اقتلعت الأشجار الكبيرة من جذورها، وأشعلت النار في بحيرة «ألستر» الكبيرة في وسط المدينة الجميلة.. وسبحان الله أن «هامبورج» هي التي اكتشف فيها العنصر الشيطاني.. وبعدها استخدم الفسفور الأبيض في ضرب المدن، وأبرزها كانت الغارات الأمريكية الحارقة ضد المدن اليابانية في عام 1945.. وكان الدمار الناتج عنها يفوق خسائر القنبلتين الذريتين على مدينتي «هيروشيما» و»ناجازاكي».. واليوم تنتج القنابل الفسفورية من العديد من الدول، بالرغم أنها من الممنوعات دولياً بسبب الدمار الشديد الحارق الذي تُسبِّبه للبشر والحجر.

وبالرغم من كل ما جاء أعلاه، فالفسفور هو من النعم الضرورية لحياتنا في كل لحظة، وهو أحد أهم مدخلات الزراعة، والمنظفات، والمبيدات الحشرية، وصناعة الزجاج، والعديد من المأكولات والمشروبات، وكمكونات للخلايا بداخلنا، ولشيفرتنا الوراثية، وأسناننا وعظامنا.. وهناك إحدى المعلومات الأغرب من الخيال المتعلقة بهذا العنصر، فهو «عملة» تحويل الطاقة بداخل خلايانا، ففي كل لحظة ننتج كميات هائلة من مادة تتكون من الفسفور لإدارة الطاقة بداخلنا.. الكمية المنتجة تصل إلى عشرات الكيلوجرامات يومياً، ولكن يتم تدويرها بداخلنا بلطف الله عز وجل آلاف المرات كل يوم.

* أمنيــــــة:

من الجرائم التي ارتكبت في حق أهالي غزة، وفي حقوق الإنسان بشكل عام، هي استخدام قنابل الفسفور الأبيض شديد الاحتراق ضد المدنيين خلال الأيام الماضية، بهدف الحرق والتدمير الشديد للأهداف المدنية.. أتمنى أن يرحم الله موتاهم، ويجبر مصابهم، ويشفى مرضاهم، ويصبرهم على الأنشطة الشيطانية بأشكالها المختلفة، وهو من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store