Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. محمد سالم الغامدي

نسمع جعجعة ولا نرى طحينا!!

A A
لا أعلم تفسيراً علمياً لحالة الجعجعة المغلفة بالهياط والتفاخر القبلي والاجتماعي المذمومة، هذه الحالة الملازمة لبعض الشعوب العربية منذ عهد يعرب بن قحطان وحتى يومنا هذا، فهي أمة تجيد الكلام وتبدع في تنويع أساليبه وألوانه، وعلى ما يبدو أن الثراء اللغوي الذي تتميز به لغتهم العربية التي أراها كالبحر في عمقه واتساعه والتي استطاعوا أن يطوعوها أفضل تطويع لتلك الجعجعة الفارغة التي تفتقد للمنتج العلمي الملموس الذي يفيدون به أنفسهم قبل غيرهم كالأمم الأخرى وخاصة الأمم المتقدمة التي استطاعت أن تبتكر وتخترع كل شيء يستهلكه العرب قبل غيرهم في مختلف المجالات الحياتية بينما هم -أي العرب- اشتغلوا بالكلام الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، فالحالة التي كانوا يعيشونها في العصر الجاهلي مثخنة بحالات التناحر والتفاخر والغزو والسطو، أنهم يفاخرون بذلك ويعدونه شجاعة وإقداماً وليس أدل على ذلك من محتوى الدواوين المثخنة بالعصبية والهياط كما يتضح من بعض قصيدة عمرو بن كلثوم التي يقول فيها:

وقد علمَ القبائل من معدٍّ... إذا قببٌ بأبطحها بُنينا

بأنا المُطعمون إذا قدرنا... وأنا المهلكون إذا ابتُلينا

وأنا المانعون لما أردْنا... وأنا النازلون بحيث شِينا

وأنا التاركون إذا سخطنا... وأنا الآخذون إذا رَضينا

وأنا العاصمون إذا أُطعْنا... وأنا العارمون إذا عُصينا

ونشرَب إن وردنا الماء صفوًا... ويشرب غيرنا كدرًا وطينا

إذا ما الملْك سام الناس خسفًا... أبينا أن نقرَّ الذلَّ فينا

ملأنا البر حتى ضاق عنا... وماء البر نملؤه سَفينا

إذا بلَغ الفطامَ لنا صبيٌّ... تخرُّ له الجبابرُ ساجدينا

وهذه ليست الوحيدة بل أغلب القصائد مثلها أو قريبة منها والمؤسف أنهم جعلوا الكعبة بيت الله الحرام مكاناً يعلقون عليها مثل تلك القصائد، لكن لو تصفحنا كتب التاريخ لن نجد لهم منتجاً حضارياً سوى القتل والسلب والنهب المذمومة.

وعندما أراد الله تعالى أن يخرجهم من الظلمات المتراكمة إلى النور الواسع بعث لهم نبياً منهم ليعلمهم التقوى والعمل والإنتاج وترك التنافر والتناحر، استقر حالهم حتى توفي عليه الصلاة والسلام ثم نكثوا ما عاهدوا الله عليه فعادوا إلى ما كانوا عليه قبل النبوة فاقتتلوا في الجمل وصفين والنهروان واستمر الحال تباعاً حتى يومنا هذا عند البعض، حيث نجدهم في حالة التنافر والتناحر والعصبية القبلية النتنة والهياط الفارغ يتفنون، وليت الأمر استقر على ذلك بل تنامت الحالة الكلامية إلى محتوى الدين الذي يعتنقونه والذي نزل كاملاً تاماً مفصلاً في 600 صفحة فقط لكنهم حولوه إلى ملايين الصفحات، فكانت النتيجة التي ترتبت على ذلك أن تفرقوا إلى اتباع مذاهب وشعب وفرق حتى وجب عليهم قول الله تعالى (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) وكان ذلك التغيير للأسف الشديد في الضعف والهوان والتبعية التي جعلتهم في ذيل الأمم، أمة تأكل مما لا تزرع وتلبس مما لا تصنع وتركب مالا تخترع وتتطبب مما لا تنتج.. والله من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store