Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سعود كاتب

قوة إسرائيل الناعمة !!

A A
إذا كان أول أمر يخطر في البال بمجرد ذكر اسم «إسرائيل»، هو «القوة الصلبة» المفرطة والقتل والتدمير، فكيف ولماذا نتحدث هنا عن قوتها الناعمة، وهل هناك وجود أصلاً لأي شكل من أشكال هذه القوة لديها؟، وهل بالإمكان عملياً ومنطقياً لأي كيان أن يمزج بين أقصى درجات التوحش والظلم والبطش، وبين أدنى سمات «القوة الناعمة»، التي تشمل الجاذبية والإقناع، وقِيَم وأخلاقيات السياسة من عدالة وتسامح، وتعايش وحقوق إنسان؟!.

هذه تساؤلات ليست مشروعة فحسب، بل ومحبطة أيضاً، فالواقع المؤسف أن مفهوم «القوة الناعمة» الرائع ليس ملائكياً، بل هو عرضة للاستغلال والاستغفال، وللتضليل والتلاعب، تماماً كما يحدث لمفاهيم أخرى عديدة، كحقوق الإنسان، وحرية التعبير والديموقراطية. والحل ليس بالكفر بالمفاهيم وفقدان الثقة بها، بل بالوعي بالوسائل غير الأخلاقية المستخدمة لتشويهها مثل: البروباغاندا والتضليل الإعلامي، وأنشطة الدعم السياسي الجائر، والقوة الحادة، وممارسات غسيل السمعة.

وبرغم إشارتي في مقالين سابقين بأن إسرائيل بدأت تخسر تفوقها الإعلامي لأسبابٍ عديدة، إلا أن من الخطأ الركون كثيراً لهذا الواقع الجديد وتهويله، بدلاً من فهمه والبناء عليه. صحيح أن هذا الواقع منح الطرف الفلسطيني ومؤيديه القدرة على إيصال أصواتهم بشكل غير مسبوق، إلا أن جوهر التفوق الإسرائيلي لم يكن يوماً مرتبطاً بمجرد سيطرتها على وسائل الإعلام (تقليدية أو رقمية)، ولكنه مرتبط بشكل أشمل بتفوق دبلوماسيتها العامة، وتوظيفها لمصادر قوتها الناعمة المحدودة بشكل مدروس، منحها تفوقاً لا يقل أهمية عن تفوقها العسكري والإعلامي.

وفيما يلي أهم خمسة من تلك المصادر التي منحت إسرائيل ذلك التفوق الناعم:

1- عمليات الإبادة النازية لليهود (الهولوكوست)، والذي نجحت إسرائيل في تسخيره وتحويله لمصدر مستمر للدعم والتعاطف الدولي، وإبقائه في الذاكرة بمختلف الوسائل، كالكتب والروايات، والأفلام والفعاليات والمتاحف. واللافت بشكلٍ غير مألوف مثلاً، أن هناك أكثر من 265 متحفاً ونصب تذكاري عن الهولوكوست منتشرة - ليس في إسرائيل- بل في 49 دولة أخرى، أكثرها عدداً: أمريكا (87)، ألمانيا (27)، بولندا (16)، أوكرانيا (16)، فرنسا (13).

2- «يهود الشتات» المقيمين في دول مختلفة، خاصة الولايات المتحدة: ويدين كثير منهم بالولاء لإسرائيل، ولا يبخلون عليها بنفوذهم وبدعمهم المادي والمعنوي.

3- مهارة السرد narrative: ويُقصد بالسرد ربط الأحداث، وإيصالها للمتلقي بشكل مقنع وجذاب، وبرغم الضعف الشديد لحجج إسرائيل، فإنها تقدم نفسها دوماً للعالم كضحية، وكصاحبة حق تاريخي، وأنها دولة علم وحضارة وديموقراطية، مُحَاطة بكيانات متخلفة وعدائية. وعلى النقيض التام نجد السرد الفلسطيني الذي تختصره مقولة: «قضية عادلة ومحامي سيئ».

4- الديموقراطية والقيم المشتركة مع الغرب: يتحجج دوماً الساسة واللوبي الداعم لإسرائيل؛ بأن القيم المشتركة هي سبب دعمهم المطلق لإسرائيل، بينما الواقع هو النفوذ، والمصالح الانتخابية، والقناعات الدينية، والفوائد الإستراتيجية السياسية والعسكرية، التي يحققها وجود إسرائيل لأمريكا في المنطقة.

5- الدبلوماسية الثقافية: تولي إسرائيل أهمية قصوى لدبلوماسيتها الثقافية، وذلك لتحقيق أهدافها السياسية والسياحية، وتركز في ذلك على الثقافة اليهودية التي يتم الترويج لها بكافة الوسائل الفنية والإعلامية، وعبر 71 متحفاً يهودياً حول العالم، منها متحف في إسطنبول تم افتتاحه عام 2001. ويبلغ عدد المتاحف المختلفة داخل إسرائيل نفسها، وفقا لبيانات منظمة اليونسكو لعام 2021م، أكثر من 226 متحفاً، مقابل 757 متحفاً لدى الدول العربية مجتمعة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store