Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. بكري معتوق عساس

زملاء أوفياء... أحمد قطان

A A
زملائِي في الدِّراسة الثانويَّة جمعتنِي بهم أجملُ الذِّكريات وأسعدها. كنَّا سعداءَ رغم بساطة الحياة، لا هاتفَ نقالًا، لا إنترنت، لا فضائيَّات، لا فصولَ ذكيَّةً، ولا تعليمَ عن بُعد، ناهيكَ عن الأجهزة الذكيَّة بكل تقنياتها المتعدِّدة.

جميلةٌ تلك الأيَّام التي عشناها معًا.. إنَّ الماضي لن يعودَ، وعجلةَ الزَّمانِ تدورُ إلى الخلف، فالأيَّام لا تتشابه إلَّا في المسمَّى، وللزَّمن دوراتٌ، وكما قال أحدهم: «الزَّمنُ لا يمكنُ أنْ يعودَ إلى الوراءِ، ولو عادَ لفعلتُ الشيءَ نفسَهُ».

دعاني للكتابةِ مكالمةٌ هاتفيَّةٌ مع أحد زملاء الدِّراسة، الأخِ الوفيِّ معالي الوزير أحمد بن عبدالعزيز قطَّان «أبي بندر»، بعد مضِّي حوالى عقدين ونيف من الزَّمان على آخر لقاء جمعني مع هذه الشخصيَّة الوطنيَّة المميَّزة.

شرفتُ أنْ كنتُ زميلًا له في مدرسة مكَّة الثانويَّة، نعم الزميلُ والأخُ الوفيُّ في زمنٍ قلَّ فيه الأوفياءُ، وكما قال الشَّاعر أبو النجع الخوارزمي:

عشْ ألفَ عامٍ للوفاءِ وقلَّمَا

عاشَ امرؤٌ إلَّا بحفظِ وفائيَّة

معاليه، من أسرةٍ عريقةٍ تمتدُّ جذورها لمئات السنين، في أطهر بقاع الأرض وأشرفها مكَّة المكرَّمة.. بعد التخرُّج تفرَّقت بنا السُّبل؛ لا يزال في الذَّاكرة قبل عقدين ونيف من الزَّمان وأنا في مقرِّ سفارة خادم الحرمين الشريفين بواشنطن، وبالتَّحديد في مكتب المُلحق الصحيِّ بالسَّفارة لإنهاء معاملة إحدى قريباتي، وتحويلها إلى مستشفى كليفلاند للعلاج، وإذا بمعاليه يرحِّب بي ويصحبني إلى مكتبه، كان كعادتِهِ كريمَ شمايل، وعلى درجة عالية من التَّواضع والوفاء والرجولة.

وبعد انتهاء اللقاء بمعاليه، أذكرُ أنِّي سألته أنْ احتاج شيئًا بعد عودتي، ردًّا لحُسن الاستقبال، وحفاوة اللقاء؟ قال: نعم! قلتُ: تفضَّل حبيبي (أحمد)، قال: «هل لديك صورٌ شمسيَّةٌ قديمةٌ تجمعنا ونحن طُلَّاب في المرحلة الثانويَّة؟».

لا أذكرُ أنَّني أحتفظُ بصورٍ شمسيَّةٍ تجمعنا في تلك الفترة الزمنيَّة، ولحُسنِ الحظِّ نما لعلمِي بوجود بعضٍ من الصُّور الشمسيَّة ونحنُ طلابٌ لدى الزميل العزيز الدكتور عبدالله بن حمود الحربي عضو الشورى، وزميلنا في الثانويَّة.

كم كان معاليه فرحًا عندما أخبرته بحصولي على بعض الصُّور، طلب منِّي إرسالها إلى داره العامرة بجدَّة؛ لوجوده وقتها في سفارة خادم الحرمين بواشنطن.

لم تغيِّرهُ المناصبُ، ولا الظروفُ، ولا الشُّهرةُ، ولا الألقابُ. كريمٌ، وطنيٌّ، وفيٌّ، ورجلُ دولةٍ من الطِّراز الأوَّل، كان معاليه يتمتَّع بروحٍ مرحةٍ، لا تزالُ في الذَّاكرة نكاتُهُ الجميلة التي كان يلقيها علينا ونحن طُلاب في المدرسة.

كان يغلبُ على كلامهِ اللهجةُ العربيَّةُ المصريَّةُ؛ بسبب دراسته ما قبل الثانويَّة على ما أعتقدُ في جمهوريَّة مصر العربيَّة الشقيقة، لدرجة أنَّنا في المدرسة كنَّا نظنُّ أنَّه يحملُ الجنسيَّة المصريَّة. دمتَ أخِي الكريم (أحمد) بدون ألقابٍ بحفظِ الرَّحمن ورعايتِهِ.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store