Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
طارق علي فدعق

قـــــــرف!

A A
عدد عضلات أجسامنا تبلغ حوالى ستمائة وأربعين عضلة.. كلها من أجمل نعم الله علينا، وكلها مهمة.. ولعضلات الوجه التي يبلغ عددها 47 عضلة، مكانة خاصة، وبالذات تلك التي لا ترتبط بالمضغ.. أولا نجد أنها متميزة، لأنها ترتبط بالجلد مقارنة بالعضلات الكبرى التي ترتبط بالعظام، وثانياً أنها صغيرة نسبةً إلى العضلات الأخرى المنتشرة في أجسامنا، وثالثاً أنها تشكل حياتنا بطرق لا نتخيلها.. وراء كل ابتسامة نجد مجموعة عضلات.. ووراء كل ضحكة.. وجميع حركات العيون بما فيها قراءتك لهذه الكلمات الآن.. ووراء كل استغراب.. وحركات الإيماءات المختلفة من غضب، وإعجاب، وتعجب، ومساءلة، وحزن.. بل وستجد عضلات خاصة بالقبلات.. وباختصار، فجميع عضلات التعبير رائعة بمعنى الكلمة، وبالنسبة لي شخصياً، هناك عضلات لها أهمية خاصة خلال هذه الأيام؛ وهي منظومة عضلات التعبير عن القرف.. تقوم تلك العضلات القريبة من أنوفنا بتحريك الشفاه إلى الأعلى تجاه أنوفنا، والغريب أن إحداها تحمل أحد أطول الأسماء، وهو الاسم اللاتيني: «رافعة الشفاه العليا نحو الأنف» Levator Labii Superioris Alaeque Nasi، وهذا الاسم هو أكثر من ضعف طول العضلة نفسها لو كتبت بالبنط حجم 12، والشعور بالقرف من الآليات الدفاعية المهمة لمعظم الكائنات.. وهذه معلومة تحتاج إلى التأمل والتساؤل.. فعلى سبيل المثال، من الصعب أن نتخيل «وزغة قرفانة».. وقد قرأت عن موضوع قرف الصراصير - أعزكم الله -، وأنهم من أكثر الحشرات التي تنظف نفسها ليلاً ونهاراً، مما يثير السؤال عن مصادر القرف لتلك الحشرة المقرفة.

نشطت منظومة القرف للبشرية بأكملها قبل أربع سنوات، عندما انتشرت جائحة كورونا عالمياً.. حيث أصبح السعال والعطس من المخاوف، وأصبحت القبلات واللمس من المحاذير.. وخلال هذه الأيام نجد أن عضلات القرف نشطة جداً بسبب الظلم، والقسوة، والتجاوزات ضد الإنسانية في غزة.. وقبل الدخول في خضم الموضوع، أعتقد أن التمهيد للعمليات العسكرية يشمل عادةً أساسيات تُسمَّى «قواعد الاشتباك»، وهي أساسيات استعمال القوة ضمن النزاعات المسلحة.. وكان التمهيد لذلك هو مقولة «يوعاف جالانت» وزير الدفاع الإسرائيلي في 9 أكتوبر، عندما وصف أهالي غزة بأنهم «البشر الحيوانات»، وبعدها سمعنا رئيس وزراء الكيان «بنيامين نتنياهو» يستشهد بالقصص التوراتية التي تصف الإبادة.. فكان يشير إلى نصوص أسفار من التوراة متعلقة بالحروب ضد «العماليق»، لإبادتهم في سفر التثنية.. وتبعتها أمثلة أخرى تتوعَّد الشعب الفلسطيني بطرق مباشرة وغير مباشرة. وأتت المفاجأة في القسوة الرهيبة، والمستوى اللاأخلاقي المتدهور في التعامل مع المدنيين، أو بالأصح إبادتهم بالكامل.. وكانت هذه المقدمات لعمليات عسكرية استهدفت المدنيين في المستشفيات والمناطق السكنية بقسوة رهيبة.. ومن العجائب أن المعتدي كان يقلب الآية، ويتقمص دور الضحية أمام الرأي العام العالمي.. ممارسات تُشغِّل منظومة عضلات القرف بأبعادها المختلفة.. فضلاً أنظر فيما جاء بشأن «الوزغة القرفانة» أعلاه.

* أمنيــــــة:

من الصعب أن نتنبأ بكيفية أو توقيت انتهاء التجاوزات الهائلة ضد المدنيين، وخصوصاً في ظل التأييد الدولي الغريب من بعض الدول للكيان الصهيوني.. أتمنى أن يتوقف الظلم ضد الأبرياء فوراً، وحسبنا الله ونعم الوكيل، وهو من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store