Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد عجب

موضة المؤامرة!!

A A
غالبًا ما تشتملُ نظريَّةُ المؤامرة على أفعالٍ غير قانونيَّة أو مؤذية، يُنسب فعلها لأفرادٍ أو منظَّمةٍ أو شخصيَّةٍ اعتباريَّةٍ؛ لتُنتج افتراضاتٍ تتناقضُ مع الفهم السائد للحقائق، ووفقًا للعَالِم المعروف مايكل باركون، «تعتمد نظريَّة المؤامرة على نظرة أنَّ الكونَ محكومٌ بتصميمٍ ما، وتتجسَّد بثلاثة مبادئ: لا شيء يحدث بالصُدفة، لا شيء يكون كما يبدو عليه، وكلُّ شيءٍ مرتبطٌ ببعضهِ»، وبالتَّالي يصبح الانطباع الافتراضيُّ وفق نظريَّة المؤامرة: «مسألة إيمانٍ بدلًا من دليلٍ»!!

لقد باتت (نظريَّة المؤامرة) موضةً دارجةً، يستعرض من خلالها أحدُ المنحرفين، ما ارتكبه من: طيشٍ، طلاقٍ، هزيمةٍ، وحتَّى جريمة ثابتة، ينسجُ حولها قصَّةً مفبركةً، قصَّةً يلعبُ فيها دورَ إنسانٍ مغلوبٍ على أمره، ذهب ضحيَّةَ مكيدةٍ منظَّمةٍ، يقفُ وراءها ناسٌ حاقدةٌ، واصلةٌ، شبهُ معروفةٍ، فيتبنَّى مشاهير الغفلة قضيَّته ويروِّجُون لكذبته!!

أحدث صيحات المؤامرة: ذلك الشابُّ الصايعُ، الذي وفَّر له والداه كافَّة متطلَّبات الحياة الكريمة، لكنَّه امتهن ترويج الحشيش، الكبتاجون، الميث امفيتامين (الشبو)​؛ ممَّا تسبَّب في ضبطه بكمين، وسجنه لسنين، وضياع مستقبله، وتشويه سمعة عائلته، غالبًا ما يُبرِّرُ طيشه، بأنَّه ضحيَّةُ مؤامرةِ أصدقاءِ السوءِ، أو أفراد الحَمْلَة، أو جهات التَّحقيق والمحاكمة!!

أحدثُ صيحات المؤامرة: تلك المرأةُ المتصابيةُ، التي كان يغدقُ عليها زوجُها المالَ، الاهتمامَ، العِشرةَ الحسنةَ، لكنَّها اغترَّت بنفسها، وقابلت الطيبةَ الزائدةَ بالعنادِ والمكابرةِ، ما تسبَّب في خلقِ الشكِّ، الهجرِ، الوحشةِ، فدبَّ الخلافُ، ووقع الطلاقُ، وتشتَّت الأسرةُ، غالبًا ما تبرِّرُ نشوزها، بأنَّها ضحيَّةُ مؤامرةِ حماتِها وبناتِها، أو سلفاتِها، أو عملٍ وطلاسمَ سحريَّةٍ!! أحدث صيحات المؤامرة: ذلك النَّادي، الذي دعم بالمليارات وأفضل اللاعبين، لكنَّه لا يزال يكثرُ الشِّكاية والبكبكة، ويلعبُ الكرةَ بلسانهِ لا بقدمهِ؛ ممَّا أفْقَدَهُ الألقابَ المحليَّة والآسيويَّة؛ نظرًا للثقافة الضَّحلة لدى جمهوره وإعلامييه، الذين غالبًا ما يبرِّرُون هزائمَه بأنَّه ضحيَّةُ مؤامرةِ مكاتب، وأخطاء تحكيميَّة!!

أحدثُ صيحات المؤامرة: ذلك الموظَّفُ الفاسدُ، الذي يتبوأُ منصبًا رفيعًا، ويتقاضَى راتبًا خياليًّا، لكن جشعه ورَّطهُ بجرائم الرَّشوةِ، التَّزوير، سوءِ استغلالِ السلطة؛ ممَّا تسبَّب في رفع حصانته، ومقاضاته، والتَّشهير به، ومصادرة أمواله، ثمَّ يأتي أبناؤه -غالبًا- ليُبرِّرُوا جرائمه، بأنَّه ضحيَّةُ مؤامرةِ مسؤوليه، أو منافسيه، أو الحاقدين من مرؤوسيه!!

أحدثُ صيحات المؤامرة: ذلك الشابُّ العدنيُّ الذي غدرَ بكفيله الخليجيِّ واغتاله، وحين اقتربتْ لحظةُ القصاص منه في بلده، روَّجوا لقصَّةٍ تفتقرُ للقرائن والأدلَّة، قصَّة تُظهر الجاني على أنَّه الضَّحيَّة، متَّهمين المجني عليه بفعلِ الفاحشةِ به، وتصويره، وابتزازه، ومساومته بشقيقته؛ ما دفعه للانتقام منه، وغسل عاره، ليلقِبُوه -بعد تنفيذ حكمِ الله فيه- بشهيدِ الكرامةِ!!

غالبًا ما يتعاطفُ النَّاس، ويتبنُّون -خاصَّةً صغار العقول- سالفة (نظريَّة المؤامرة)، وبدلًا من لوم وتأنيب مَن صدرت منه تلك الأفعال المُخلَّة والفاضحة، نراهم ينساقُون خلفَ فرضيَّاته المتناقضة، مردِّدين بكلِّ غباءٍ وسذاجةٍ: «لا شيءَ يحدثُ بالصدفةِ، لا شيءَ يكون كما يبدُو عليه، وكلُّ شيءٍ مرتبطٌ ببعضِهِ»، حتَّى أصبح الانطباعُ الافتراضيُّ لدى العامَّةِ: «مسألة إيمانٍ بدلًا من دليلٍ»، تقودُه بكلِّ تضليل، إغراء، غباء، صيحات أزياء (موضة المؤامرة)!!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store