Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
فاتن محمد حسين

‏(سكني) وجودة الحياة.. جدة أنموذجًا

A A
حين طرحَ صاحبُ السموِّ الملكيِّ الأمير محمد بن سلمان رؤية 2030م، ظنَّ البعضُ أنَّها ضربٌ من الخَيال، ولكنْ لم نلبثْ بعد برهةٍ من الزَّمن لنجدها واقعًا يتحقَّقُ في كثيرٍ من معطياتها وأهدافها الإستراتيجيَّة. فقد قالَ سموُّه: «ما نطمحُ إليه ليسَ بتعويضِ النَّقصِ في المداخيلِ فقطْ، أو في المحافظةِ على المكتسباتِ والمنجزاتِ، ولكنَّ طموحَنَا أنْ نبنيَ وطنًا أكثرَ ازدهارًا، يجدُ فيه المواطنُ ما يتمنَّاهُ. فمستقبلُ وطننا الذي نبنيه معًا لنْ نقبلَ إلَّا أنْ نجعلَهُ في مقدِّمةِ دُولِ العالمِ، في التَّعليمِ والتَّأهيلِ، والفُرصِ التي تُتاحُ للجميعِ، والخدمات المتطوِّرة في التَّوظيفِ، والرعايةِ الصحيَّةِ والسكنِ والترفيهِ وغيرِه».

نعم هذا الطموحُ لسموِّه هو أساسُ برنامج (جودة الحياة)، الذي أصبحَ واقعًا يُعايشه السعوديُّونَ والمقيمُونَ والزوَّارُ من أنحاء العالم.

ولعلِّي أُركِّزُ في مقالي هذا على جانب (السَّكن)، باعتباره أحدَ أهم عناصر الاستقرارِ النفسيِّ والاجتماعيِّ للفرد، في مأوى يُوفِّر له كافَّة احتياجاتِهِ وأفراد أسرتِهِ. كما أنَّ مخططات إزالة الأحياءِ العشوائيَّةِ كان أحدَ الأهداف الرئيسة لما كان لها من مظاهرَ سلبيَّةٍ انتشرت في تلك الأحياء، وكان هناك ضرورةٌ لإعادة البناء والتَّطوير للبني التحتيَّة، والخدمات الصحيَّة.

‏وقد طال المشروعُ عدَّةَ مدنٍ منها مدينة جدَّة، والتي تمَّ إزالة أكثر من 46 حيًّا عشوائيًّا لتطويرها. وبعض من تلك الأحياء كان لها تاريخٌ عريقٌ مثل: (حي قصر خزام)، الذي يضمُّ عددًا من الأحياء وهي: حي النزلة اليمانيَّة، والنزلة الشرقيَّة، ويبلغ عدد سكان ذلك الحي أكثر من (49.210 أشخاص)، وكان به قصرُ الملك عبدالعزيز -رحمه الله- الذي بُنِيَ عام 1347هـ، وكان به ديوانٌ للسلطة لإدارة الأعمال والمصالح العامَّة، ولعلَّ من الاتفاقيَّات الهامَّة التي تمَّ توقيعها فيه -آنذاك- اتفاقيَّة الامتياز للتَّنقيب عن البترول مع شركة ستاندر آويل أوف كاليفورنيا، وذلك في عام 1933م.

وقد أُعلن عن تطوير حي خزام، وموافقة صندوق الاستثماراتِ العامَّة على المشاركة في تمويل المشروع بمبلغ أربعة مليارات ريالٍ سعوديٍّ، وأوضح يوسف الشلاش -حسب جريدة الاقتصادية، الأحد 9 أكتوبر 2011- رئيس مجلس إدارة شركة دار الأركان للتطوير العقاري أنَّ مشروع خزام شاهدُ عيانٍ على أهميَّة الشراكة بين القطاعين العامِّ والخاصِّ.

كما تمَّ تطويرُ القصر الملكيِّ ليصبح متحفًا، حيث انتقل لوكالة الآثار والمتاحف، وتمَّ تحويله في عام 1981م إلى متحفٍ، وافتُتح في مارس 1995م، حيث رُوعي في التَّرميم المحافظة على طابع المبنى المعماريِّ، وتمَّ تحويل جزءٍ من القصر إلى متحفٍ، وتأثيثه وتجهيزه بالمعروضاتِ التي تُمثِّل جميعَ العصور التاريخيَّة. ولكن -للأسف- لمْ يرَ الكثيرُونَ أيَّة إعلاناتٍ عن المتحف، وهو الذي يُعتبر من أهم المراكز الترفيهيَّة والثقافيَّة والتراثيَّة.

وفي عام 2020 أعلنَ سموُّ الأمير بدر بن فرحان وزير الثقافة عن ترميم برج خزام، والذي يُعدُّ أحدَ أهم المعالم البارزة الذي سيتمُّ إحياؤه بالثقافة والفنون.

‏ولأنَّ الدولةَ مهتمَّةٌ بجودة الحياة، فقد جاء (برنامج سكني) لتحقيق تملُّك السَّكن لأبناءِ المملكة؛ ليصل إلى 70٪ بحلول 2030، من خلال توفير الدَّعم الماليِّ والقروض من بنك التَّنمية العقاريِّ، ومن خلال دراسة حالات الأسر واستحقاقهم؛ لتوفير السَّكن الملائم، وتسليم وحدات سكنيَّة بقروضٍ ميسَّرة تتلاءم مع ظروفهم الاجتماعيَّة.

بل أصبحَ ذلكَ متاحاً من خلال الموقع الإلكترونيِّ (سكني)، حيث يقدم صندوقُ التنمية العقارية خدمات برامج الدعم السكنيِّ من خلال أكثر من 43 خدمةً رقمية عبر البوابة الإلكترونية للصندوق، وخدمة المستشار العقاريِّ، إضافةً لأجهزةِ الخدماتِ الذاتية.

ولأنَّ إزالةَ الأحياء العشوائيَّة لابُدَّ أنْ يتبعها تطويرٌ، فقد كانت هناك اتفاقيَّاتٌ لإشراك القطاع الخاص بالبناء والتَّنمية، وإعطائه فرصةَ الاستثمار في تلك المناطق، ودخلت الكثيرُ من الشركات العقاريَّة والبنوك في تمويل تلك المشروعات، والتي جاءت على شكلِ شققٍ سكنيَّةٍ وفللٍ، وتاون هاوس، ومنها على سبيل المثال مشروع (الجوهرة ريدزنس) في (حي خزام)، ويتكوَّن من 990 وحدة سكنيَّة تهتمُّ بالتَّفاصيل الداخليَّة والواجهات الخارجيَّة، ويشتمل على حدائقَ، ومساحاتٍ خضراءَ، وملاعبَ للأطفالِ، وممرَّاتِ المشاةِ، ومساجدَ، ومنشآتٍ تعليميَّةٍ، وصحيَّةٍ، وخدماتٍ متكاملةٍ، كالمطاعمِ والمراكزِ التجاريَّةِ؛ لتلبية احتياجات السكَّان، ومنها ضاحية سديم.. وغيرها من المخططات السكنيَّة.

ما نتمنَّاهُ أنْ يكونَ لساكني تلك الأحياء القُدَامَى أولويَّة للتملُّك في نفس المنطقة التي كانوا يسكنُون فيها، ويا حبَّذا لو يتم الاحتفاظ بنفس المسمَّيات قدر الإمكان، مثل: (مخطط قصر خزام)، فهو من أجمل الأسماء للحفاظ على التَّاريخ والتُّراث. وهناك أسماء أخرى تاريخيَّة من الممكن الاحتفاظ بها مثل: ذهبان - الرِّحاب - حي الثغر- حي الجامعة - العماريَّة - البلد... وغيرها، حسب دراسات الشؤون البلديَّة والقرويَّة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store